من «دون فلترة»، جاءت مقابلة جلالة الملك عبدالله الثاني مع ثلاث شابات أردنيات، لتبيّن أنّ الإعلام لم يعد محصورًا بهيئات أو شخصيات معينة، مع الاحترام لكلّ وكالاتنا المحلية أو العاملة في بلدنا، لكنّ الفرصة التي أتيحت للطالبات الجامعيات ليست «الفرصة الأخيرة» وسيكون لها العديد من التبعات، لاستحداث نهج إعلامي جديد في بلادنا يقوم على المصارحة والمكاشفة ونقل الحقيقة كما هي من «دون فلترة».
والمصطلح «دون فلترة» استخدمه جلالته في معرض الحديث الأبوي الراقي، وذلك ردًا على سؤال الطالبة أروى السرحان: هل سبق أن أخبرك أحد بأننا لا نتخيّل أنّ «الملك إنسان عادي يعيش حياة مثلنا؟» فقال جلالته انّه يسمع هذا الكلام من الأطفال الذين يقولون ما في قلوبهم «دون فلترة» أي ببراءة وعفوية وفطرية وإحساس بالأمان ودون بروتوكولات ورسميات بين الأبناء وأبيهم.
رجعت إلى القاموس، فوجدت الكثير عن معاني الفلترة أو Filtration وبالمناسبة هي بالعربيّة الترشيح أو التصفية، وهي عملية ميكانيكية تفصل مواد صلبة غير ذوابة من الموائع والسوائل، ولا تسمح للمواد الصلبة بالمرور. وبالمعجم: الفلترة هي الترشيح بمعنى تنقية السائل وتخليصه من الشوائب، وفي المعنى الذي استخدمه جلالته عن أحاديث الأطفال هي البراءة وبناء العلاقات الإنسانية الصافية البعيدة كل البعد عن شوائب ومصاعب ومصائب العلاقات الانتهازية أو «المصلحجية» كما يُقال بلغتنا الدارجة.
والشوائب في علاقات البشر قد أصبحت كثيرة ومعقدة، ومنها حبّ الظهور، وبالأخص عبر السوشال ميديا، والمصالح التجارية أو السياسية أو الشخصية في الحياة الاجتماعية، والرغبة في الحفاظ على «البريستيج» والجاه الذي لا يُباع ولا يشترى، والمصالح الفئوية والعشائرية الضيقة، والتعصّب بأشكاله وألوانه كافّة، والمراءاة والنفاق و«الكذب» الذي قال جلالته بأنه ينزعج منه كثيرًا.
المقابلة والمصطلح، بدون فلترة، هي صفة جديدة ومنهج جديد في التعامل بين القيادة والشعب، ولا أخال أحدًا يعترض أن بعد اللقاء الملكيّ ثمّة قرب أكثر من المواطن من جلالته، كما أنّ هنالك دعوة إلى عدم وضع الفلاتر في علاقاتنا الاجتماعية. دعونا نجرّب علاقات انسانية عفوية بدون فلترة: على سبيل المثال: أرسل لأخيك رسالة محبة بدون مناسبة رسمية وبدون مجاملة. تكلّم بالهاتف مع صديقك بهدف الاطمئنان عليه بدون مصلحة. اكتب «بوست» على السوشال ميديا، بعيدا عن رواسب حب الظهور والمشاكسة... هي تمارين صباحية ستساعد بلا شك على العلاقات السليمة والصحيّة والبنّاءة.
دعونا نعود في علاقاتنا مثل الأطفال، فنتحدّث بعضنا الى بعض، بدون فلترة. ما رأيكم؟
الراي