بعد ان استقال العربي من الحرب ضد العدو المشترك، أصبحت الذات هي العدو الاول، والشقيق هو العدو الثاني، والحرب ضدهما هي الصناعة الوحيدة « الثقيلة» التي تحمل الدمغة العربية بامتياز.
الحروب التقليدية - على بشاعتها - لا تستمر غالباً اكثر من شهور، وقد تنتهي بهدنة او اتفاقيات سلام أو تواجه بمقاومة مشروعة، لكن حروبنا العربية الجديدة لا تتوقف، ولا تعترف بمنطق «الهدنة» أو الجنوح الى السلم، اهدافها اسوأ من حروب السلاح، وضحاياها لا يقتصرون على طبقة «المحاربين» فقط، وحجم الكراهية التي تزرعها في النفوس اكبر من ان تواجه بالتدخلات او المقررات التي تفرض عادة «انهاء» العدوان بين الاطراف المتصارعة.
أي خسارة سنتكبدها ، من حرب المذاهب بين الشيعة والسنة، او من حرب الطوائف بين المسلمين والمسيحيين، او حروب الرياضة بين الأشقاء، أي امة هذه التي تتنازل عن الحروب ضد اعدائها الحقيقيين وتنشغل بتوجيه «الحراب» الى جسدها المثخن بالجراح، او دسّ «السم» في اطعمتها المستوردة، أو اعادة ملامحها التاريخية في «داحس والغبراء»؟
في الدول التي انعم الله عليها «بالحياة» ثمة حروب ضد الجهل والتخلف، ضد الفقر والمرض، ضد الكراهية والتعصب، ضد التجزئة والتقسيم، وفي بلداننا التي اختارها الله عز وجل لكي تحمل رسالة «اخراج» الناس من الظلمات الى النور، ثمة حروب مشتعلة، لكنها ضد الحياة الكريمة، ضد الحب والسماحة، ضد الوحدة ومصلحة الامة الواحدة، ضد التقدم والنهوض وكل القيم التي تحولت الى مجرد اشعار واغانْ وقصائد، لا أثر لها في الواقع، ولا معنى لها في قواميسنا المزدحمة بحروف التهديد والتشكيك وموالد الطعن والشتائم.
ثمة حروب طائفية واخرى مذهبية، ثمة حروب رياضية ورابعة انفصالية، ثمة حروب سياسية وحروب درامية، القاسم المشترك بينها هو «الكراهية»، هذه الثقافة التي استخدمت اسوأ الاسلحة لتمزيق الموّحد وتقسيم المجموع وتفتيت المشاعر والعقول معاً.
انها حروب إبادة من نوع جديد، تستهدف «عصب» الأمة وضميرها العام، لكنها - مع الأسف - تتحايل على القوانين، وتهرب من المساءلات الاخلاقية، وتتزين بغطاءات الحرية احياناً، والتحضر او التدين المغشوش احياناً اخرى.. فيما الحقيقة انها اسوأ من حروب المدافع والدبابات.
الدستور