حوار مع مدير مدرسة حكومية
د. محمد حيدر محيلان
18-07-2019 06:20 PM
المكان: احد مدارس عمان الحكومية الابتدائية
الزمان : يوم الاحد 14/7/2019 الساعة العاشرة صباحا
المناسبة: الذهاب لاستلام شهادة ابني الناجح للصف السابع ...
مجموعة من الطلاب والاباء والامهات يتوافدون على ادارة المدرسة، البعض وفد ليستلم شهادته او شهادة ابنه او ابنها ، والاخر جاء لينقل ابنه الى المدرسة او منها ... الكل منشغل بضالته، ويسعى لانجازه، والمدير لا يستطيع ان يجيب على استفسارات الحشد باجمعه...
المدير : من يسأل عن شهادة فليتوجه للغرفة اخر الممر
ومن يسأل عن نقل ابنه لمدرستنا نعتذر لانه العدد المسموح به للطلاب 300 ولدينا 400 طالب وكثير من الطلاب يجلس على البلاط ...
- رجل اشعث اغبر وكرشه يطل على طاولة المدير متجاوزا التهوية المسموح بها ، وينفث سيجارته باتجاه وجه المدير بغضب ممزوج بحنق وتعب وعرق : انا من سكان الحي ومن حقي ان يدرس ابنائي في مدرستكم، ولن اخرج بدون ورقة قبول لابنائي الاربعة .. دبر حالك ..انا مواطن ومن حقي اولادي يتعلموا ومش ماشي..بدونها...
- المدير : ايش يا أخي تفضل .. يخاطبني.. متجاهلا الاب الثائر....
- أنا .. لا مش مهم مشي الاخوة أنا بنتظر (انا قصدي اتعرف على الواقع وفرصة .. مادة مقال) ...تدخل امرأة يرى عليها اثر الجو الحار ووعثاء الطريق وسوء الوضع الاقتصادي وكآبة المنظر : مرحبا يا خوي انت المدير !؟
- نعم يا اختي
- ماما هذا بياع البوزة الي بيجي بالباص على حارتنا
- لا يا ولد بجوز بشبهه.. اسكت لا يسمعك ويزعل
- يا استاذ بدي مساعدتك بدي انقل الولد لعندكم .. يا ريت نقدر نساعدك يا أختي المدرسة فل ..
- الرجل الممتليء سخطا: جاوبني يا استاذ انا تارك البسطة بدي حل اعطيني قبول للاولاد ..
- المدير : يا رجل نصيحة شوف مدرسة غير مدرستنا .. اقلك .. روح ادخل اعمل جولة شوف الصفوف والمقاعد والمرافق.. يا رجل مدرستنا (واقعة ) (ومسخمة) والمعلمين ... خليها على الله.. اذا بدك مصلحة اولادك انقلهم على مدرسة خاصة ..
- شو هالحكي يا استاذ انا معي ادفع لمدارس خاصة!؟ وبعدين ما بهمني حال المدرسة محنا عارفين حال التدريس بالبلد .. ضبوهم عندكم والله بفرجها...
- المدير يخاطبني : تفضل يا اخ ... تفضل استاذ.. (بينما انا اعيش حالة من التذكر لشكوى ابني بأثر رجعي للعام المنصرم) عندما كان يعود من المدرسة وهو منفعل ويصور لنا موقف وحالة المدير يتعارك مع المعلمين، وتراشق المعلمين انفسهم بالكتب والكلمات النابية الخادشة للحياء العام والخاص، والاخرى المتساقطة على مسامع الطلاب.. وكنت اقول لعل ابني يبالغ.. ليضحكنا
- أنا : عفوا أستاذ .. لا كنت اريد شهادة الولد .. لكني الان اريد نقل الولد من مدرستكم فما هي الاجراءات ...
- المدير : اركض جيبلنا موافقة من مدرسة اخرى وحالا ساعطيك الملف ... خرجت مسرعا .. وهو ينادي يا استاذ يا استاذ ما بدك شهادة ابنك ... اجبته لا لا مش مهم الشهادة .. عندما آخذ الملف ارفقها به ..
الحالة هذه في احد مدارس العاصمة عمان وليس الاطراف او الارياف او البادية الاردنية .. هناك مشاهد وكلام كثير مؤلم لم انقله من الموقف.. ولن اذكر اسم المدرسة ولا المدير ، لان الغرض ليس التشهير، بل نقل الرسالة وبأمانة، ان التعليم لدينا (واقع) كما شهد شاهد من اهل التعليم .. اذا كان وزير الحقيبتين التربية والتعليم العالي لا يعلم فليعلم، واذا كان دولة الرزاز وزير التعليم السابق لا يعلم فليعلم ، وليفصل الوزارتين لان كل وزارة لها اعباءها ليتفرغ كل وزير لوزارته ولن يكن عنده فراغ عندئذ ايضا .. اذاكانت بيئة التعليم غير صحية وتفتقد ابسط حيثيات العملية التعليمية وكان المعلم غير سوي ويعاني من الهموم الاقتصادية والنفسية والاجتماعية فكيف سينتج جيلا سويا وواعدا ، غير منحرف ومتطرف الافكار.
ما دام اصبحنا ننقل ابناءنا للتعليم الخاص ومستعدين لدفع الالاف رغبا أو رهبا، مكرهين او بحريتنا وخاطرنا، وهذا يعني استعدادنا لبذل الغالي والنفيس للنجاة بابنائنا من جحيم الجهل والضياع ، فلماذا لا تفرض الحكومة مبلغا من المال على كل طالب، (خمسين دينار او اكثر ) مثلا ، واستثناء الفقراء والمعدمين، لدعم ولتحسين واقع التعليم الحكومي، (ولن يمانع من يدفع للتعليم الخاص الالاف ) في سبيل تحسين التعليم الحكومي.
لماذا لا تفتح الحكومة باب التبرع لاقامة المدارس وصيانتها لكي لا (تقع) حسب مفهوم المدير، او لنقيمها من حالة الوقوع والتردي الحالية، وللنهوض بالتعليم واهله، وصيانة المعلمين وحصانتهم من العمل وحرج الموقف بعد الدوام او أثنائه ، على الباصات وفي الحارات امام طلابهم !؟
لماذا لا يتم رفع علاوة المعلمين ومساواتها بعلاوة القضاة وغيرهم، لكف ايديهم عن المسألة، ولتوسيع ذات ايديهم، ورفع مستواهم المادي والمعيشي والاجتماعي!؟
لماذا لا يتم نشر فضيلة التبرع لبناء المدارس، والمراكز الصحية ومساواتها مع فضيلة وأجر بناء المساجد، من قبل الشيوخ والعلماء والفقهاء، فقد غصت المدن بالمساجد، وما تزال كثير من المدن بحاجة لبناء مدارس، والحاجة لنشر العلم ضمن بيئات تعليم مناسبة هو فضيلة وحسنة عظيمة وأجرها يكافيء اجر بناء المعابد ويزيد، السنا نريد جيلا سويا واعيا ومثقفا!؟ فلماذا لا ندعم التعليم ومؤسساته!؟.
هذا نداء على الملأ، وتذكير المسؤلين بواجباتهم، وليس ترف ولا كلام تسلية، لان التعليم اساس ارتقاء الامم او تخلفها.. فهل من مدكر!؟