بعيدا عن الكسل الجسدي الذي نعاني منه وارتفاع معدلات السمنة وأمراض القلب أصبحنا نعيش في كسل عقلي Mental Laziness، تبلّد عقلي Mental sagging طورناه بأنفسنا واستمرأناه لنضحك به على أنفسنا، ساهمت به وسائل التكنولوجيا الحديثة، تُرانا نلجأ الى أسهل الحلول ولا نكلّف أنفسنا تحمل التفكير ولو للحظات. نتقوقع وراء أفكار معلّبة وحِكَم مبسترة تصدأ العقول نجاحها مربوط بسذاجتنا!
تراجعت أهمية الكتاب والمقالات المطولة التحليلية والدراسات الأكاديمية والأبحاث والبرامج الرصينة لصالح الرسائل القصيرة والتغريدات على وسائل الواصل الاجتماعي (Tweets) حيث أصبحت هي النمط الأمثل لتداول المعلومات في حياتنا! نتأثّر بها وتؤثّر في توجهاتنا،!
لم نعد نصبر على قراءة جملة طويلة، ناهيك بكتاب أو بحث أو دراسة، أو أي معلومة مركبة أو معقدة، قليلون أولئك الذين يقدرون أن يصنعوا لأنفسهم فكرة أو يصبرون على التفكير!
يقول أحد الفلاسفة إن "مصاعبنا ترجع جزئيًا إلى غبائنا، واستغلال هذا الغباء من قبل الغير، فضلًا عن تحيزاتنا ورغباتنا الشخصية". ويقول: على مواطني الدولة الديمقراطية أن يفكروا بشكلٍ جيد. أراد من هذه العبارة تحذير الناس من خطورة تبنّي الشعارات الرنانة والعبارات المبتذلة التي يستخدمها السياسيون والاقتصاديون، من أجل تشكيل آراء الناس بغير منطقٍ وبدون وجه حقّ، الأمر الذي يجعلهم كالدّمى الخالية من أيّ تفكيرولا يلجؤون الا الى تلك الأفكار والعبارات والشعارات المعلّبة التي تم تبنيها وتعليبها تماما كما يتم تعليب الأطعمة!
الكثير من الناس باتوا يستخدمون التفكير المعلّب الجاهز Canned Thinking بشكل تلقائيّ وبدون وعيّ، رغم مخاطره الكبيرة، خصوصًا في عصر الاعلام الاليكتروني وتفشّي وباء وسائل التواصل، تفكير جاهز كالأطعمة الجاهزة يحتوي على بيانات مضغوطة من الاعتقادات، مستندة الى قوالب جامدة وشعارات وعبارات مبتذلة تحثّ الناس وتدفع بهم الى تبنّي آراء ومواقف تجاه قضايا معينة دون قياس أو دليل سليم، وتجعلهم يستنتجون قواعد عامة، وتعميمات متسرعة،
أفكار معلّبة كثيرة، نتوارثها، أو نتناقلُها، أو نقتبِسُها انها عصائبُ توضع لتحجب النور عن العيون. تسهم وسائل الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي في صياغتها وتصنيعها وهي شديدة الشَّبه من حيث طريقة حفظها أيضاً وتداولها وسهولة استخدامها بالمعلبات التي يتم شراؤها جاهزة من السوق، ونجد أن الكثيرين منا يعوّلون على تلك الأفكار في تفسير الوقائع والأحداث والعلاقات من حولهم، ويعتمدون عليها في إصدار الأحكام على الأفراد والجماعات والأمم والأفكار والثقافات والحضارات، ويلجؤون إليها في فهم المشاكل وتقديم الحلول القاطعة السريعة لها.
يقول الكاتب الامريكي الشهير ستانلي جونز إن 5 % من الناس يفكرون تفكيراً صحيحاً، و5 % يظنون أنهم يفكرون، في حين أن البقية الباقية يجهلون التفكير، ويجهلون معنى الحياة. فعلاً، نحن معلّبون فكرياً، كالأطعمة الفاسدة التي نشتريها، وتكون عادة محفوظة في العلب. فعلى سبيل المثال يزعم أصحاب الفكر المعلب أن جميع التجار غشاشون ومنافقون، وأن جميع المحامين خبثاء، ويلعبون على الحبال، وجميع الأطباء يعملون على تفريغ جيوب مرضاهم، وأن كل القضاة أفسد من عليها، وأن رجال الدين هم أول من عاشوا في الأرض فساداً.
ويصبح عسيراً على أحد أن يحمله على تغيير وجهة نظره، أو اقتلاع هذه الفكرة الخاطئة منه. ومن أمراضنا التعصب الأعمى، وعدم قدرتنا على قبول الآخر، وعجزنا عن الوصول إلى التفاهم بيننا. إننا مصابون بالوباء الفكري العقيم، والهوس الحيواني، نتساءل أين نواميس العقل فينا؟ طوبى لك أيها العقل الحائر المتألم.
وعندما يتوجه الفكر المعلّب في قوالب جاهزة الى أصحاب العقول الفارغة فان ذلك يعفيهم من عناء التحضير والطهي وتوابعها... تماماً كمن يلجأ الى تناول الأطعمة المعلبة الجاهزة والتي تكون في متناول يده، سهلة التداول رخيصة الثمن، يسيرة الاستخدام لكنها في الحقيقة عديمة الطعم والنكهة ولا تسمن ولا تغني من جوع!
نحن الآن في حاجة ماسة لنكون أكثر وعيًا إزاء هذا الجانب من تفكيرنا، للخروج من بوتقة هذا النمط من التفكير لنمنح أنفسنا فضاء أرحب باستخدام بصرنا وبصيرتنا، والتسلّح بالفهم وعدم السماح لغيرنا بالتفكير نيابة عنا.