في الوقت الذي يحتاج فيه الاقتصاد الوطني الى تحفيز حقيقي لمواجهة حالة التباطؤ التي قد تمتد حتى العام المقبل نجد ان الحكومة ومن الناحية النظرية قامت بتخفيض الانفاق العام لديها ضمن ملامح بلاغ الموازنة بنسبة 9.6 بالمئة ليقدر بحوالي 5.556 مليار دينار.
الإجراء من الناحية الشكلية قد يكون صحيحا ضمن المطالبات التي تدعو الحكومة الى ضبط انفاقها حتى تستطيع الحد من العجز المالي المزمن, لكن من الناحية الفعلية فان ما تضمنه البلاغ من تخفيضات مستهدفة في الموازنة سيطال بند النفقات الرأسمالية التي طالما نظر اليها الكثير من المراقبين ان جزءا كبيرا منها لا يحقق أي اهداف تنموية وهي عبارة عن نفقات تشغيلية مرتبطة بمشاريع ممولة من المساعدات.
لا يمكن للحكومة ان تخفض نفقاتها ثم تخرج علينا بمعدلات نمو عالية نسبتها 4.5 بالمئة, فهذا امر غير منطقي لعدة اسباب, فالحكومة بحاجة الى تبويب حقيقي لبند النفقات الرأسمالية بحيث يتم الغاء كافة المشاريع المدرجة في النفقات والتي لا تتضمن معايير قادرة على تحقيق النمو المستدام, بحيث يتم فقط ادراج المشاريع ذات الاولوية للاردن ويكون بمقدورها تحقيق فرص عمل سريعة وتساهم باستخدام مدخلات محلية وتستوعب عمالة اردنية وتساهم ايجابا في الصادرات وتحافظ على قصص النجاح لبعض القطاعات.
لا يمكن للحكومة الآن ان تأتي وتخفض النفقات بشكل عشوائي من دون النظر الى هيكل النفقات الرأسمالية, لان الكثير من تلك المشاريع مرتبط تمويلها بالتمويل الاجنبي, وهنا يكمن التحدي امام راسمي السياسة المالية للدولة في كيفية فهم احتياجات المملكة التنموية, وادراج المشاريع التي تمول من الخزينة اولا وعدم الاعتماد على المنح الخارجية في تنفيذ المشاريع, لانها تكون ممتدة لسنوات عديدة يصعب على الموازنة التخلص منها.
اليوم, باستطاعة الحكومة التوقف عن ادراج الكثير من المشاريع وبدلا من رصد مخصصات جديدة, هناك الكثير من القطاعات الخدمية الرسمية بأمس الحاجة الى تحديث وتطوير لا التوسع في المشاريع المشابهة مما اثر سلبا على الخدمات العامة, وأُجزم اننا لسنا بحاجة اليوم الى مدارس جديدة او مستشفيات او طرق, فنستطيع ان نؤجلها لبعض السنين حتى يكون الاقتصاد الاردني قادرا على تنفيذ مشاريع بنية تحتية وخدمية من موارده الذاتية المتحققة من النمو الاقتصادي لا عن طريق الاقتراض او المساعدات.
لن نتفاجأ اذا ما جاء مشروع قانون الموازنة العامة لسنة 2010 اكبر بكثير في انفاقه من تلك الارقام التي وردت في بلاغ الموازنة, فاستكمال مشاريع 2009 سيمتد لسنين مقبلة ولن يكون باستطاعة احد ايقافها او تجميدها, لذلك سيكون الخيار المتاح في الفترة المقبلة ان ارادت الحكومة فعليا تخفيض نفقاته هو التوقف عن ادراج مشاريع خدمية جديدة, جزء كبير منها لترضية فئات معينة من المجتمع.
التعامل مع العجز يتطلب فهما حقيقيا للموازنة وبنودها, ويتطلب حزما في ادارة الانفاق بشكل اكبر مما هي عليه الآن, وملامح بلاغ الموازنة الاولية تشير ان الحكومة ما زالت تنظر للعجز نظرة ثانوية, فالحكومة التي لم تستطع ضبط عجزها في سنة 2009 الذي ارتفع بنسبة 40 بالمئة عن المقدر وبلغ ما مقداره 1.12 مليار دينار سيكون ايضا في حدود كبيرة العام المقبل بعد ان استهدف البلاغ تحقيق عجز اولي مقداره 685 مليون دينار, بمعنى ان مديونية الاردن العام المقبل ستزداد بقيمة العجز مما يهدد الاستقرار المالي, لذلك المطلوب تعامل استراتيجي مع عجز الموازنة يضبط نموه غير المنضبط, وهذا لا يتم الا من خلال الزام الحكومة بالتقيد بما ورد في قانون الموازنة وعدم مخالفتها واجراء تقييم ربعي لاداء الحكومة المالي من قبل السلطة التشريعية.
المطالبة بدور رقابي حقيقي مبني على المساءلة والشفافية وخدمة المصلحة العامة, دون ذلك ستبقى الحكومة تضع ارقاما مالية كما تشاء ويصادق عليها البرلمان من دون ان يكون لها اساس من الواقع.0
salamah.darawi@gmail.com