إحدى أبشع المشاهد التي نراها هذه الأيام، تحويل اقتصاديات الأردنيين والفلسطينيين إلى اقتصاديات ملحقة بإسرائيل، وهذه العملية تجري منذ عقود، بحيث تحول الكل إلى مجرد عبيد عند إسرائيل، والتعبير بقدر ما هو جارح، ومستفز، إلا أنه يجب ان يحرك فينا رد فعل غير التنديد والغضب والادانة.
خذوا هذه النماذج، إذ ان كل الاقتصاد الأردني، تم اضعافه، بحيث بات الحل الوحيد امامه إسرائيل، وحين تقرأ رقما رسميا يخص قطاع الزراعة، مثلا، عن تصدير 467 طنا من الفلفل إلى إسرائيل، خلال الشهر الماضي، و171 طنا من الخيار الصغير، الذي يتم استعماله في المخللات التي يتم تصديرها إلى أوروبا، تشعر بفاجعة، مثلما نقرأ أرقاما عن تصدير مئات الاطنان من الزيتون، الذي يتم عصره، وتصديره إلى أوروبا، والامر ينطبق على قص الجبال في الأردن، وتصدير الحجر الذي يتم استعماله في بناء المستوطنات.
للمفارقة هنا، نحن نرسل حجارة المستوطنات، من الأردن، والعمالة الفلسطينية داخل فلسطين، تبني هذه المستوطنات، لكننا نخجل من الحديث صراحة عن هذا الوضع، لأن بعضنا لا يحب سوى النفاق، والتجار والسماسرة والمزارعون، يقولون إن المتاجرة مع إسرائيل تجلب الأرباح، وان الأسواق العربية مغلقة، والسوق المحلي راكد، ولا حل لهم، سوى العمل مع الإسرائيليين، وانهم شبعوا مزاودات عليهم!.
من هنا نذهب إلى فلسطين، لنرى كارثة أخرى، قد يبررها البعض بوجود الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال، وعدم مساعدته من احد، لكن النتيجة واحدة، أي الحاقهم بالاقتصاد الإسرائيلي، وليس ادل على ذلك من مئات الاف العمال العاديين والمحترفين الذين يخرجون من غزة وربما الضفة الغربية والقدس، وبقية المناطق للعمل مع الإسرائيليين، في كل المجالات، بما في ذلك اعمال البناء، واذا لم تشغل إسرائيل هؤلاء، يموتون جوعا، فلا احد يدعمهم، والكل تركهم أيضا لهذا المصير، أي العمل عند الاحتلال، وبرغم ان معادلة الاحتلال تختلف كما اشرت عن معادلات ثانية، إلا أن السؤال قد يبدو منطقيا، حول مشروعية العمل في الأساس، ولماذا نمنح انفسنا مبررات، بدلا من مقاطعة إسرائيل في كل المجالات، وعدم العمل معها كليا؟.
إذا عدنا إلى الأردن، نجد أيضا ان كل المشاريع الكبرى تعتمد على الشراكة مع إسرائيل، من الغاز إلى سكك الحديد إلى المطارات، وصولا إلى السياحة المشتركة، والمياه، وغير ذلك من مشاريع يتم الإعلان عنها، وتنفيذها، او تأجيلها حتى اشعار آخر، بسبب الظروف المختلفة، والتقلبات السياسية.
>
الذي يحلل وضع الشعبين الأردني والفلسطيني، يجد قاسما مشتركا، أي تعرضهما معا لإنهاك بالغ، وارهاق بلا حد او حدود، وبحيث يتم دفعهما نحو إسرائيل، باعتبارها هي الحل، عبر مصالحتها، والعمل معها اقتصاديا، والا كيف نفسر تورط عشرات الاف الأشخاص، ولكل واحد تبريراته، وقراءته للوضع، في العمل مع إسرائيل، او المتاجرة مع إسرائيل، تحت ذرائع مختلفة، بحيث بات كثيرون مجرد عبيد عند إسرائيل، يخدمونها، ويرون فيها حلا، وبابا للربح، وان لا بديل عنها، في الوقت الحالي، حتى لو كانت هذه النشاطات، تؤدي فعليا، إلى تمويل الجيش الإسرائيلي، في النهاية، الذي يقتل كل يوم في فلسطين، ولبنان، وسورية، وبحيث بات بيننا من يمول هذا الجيش، عبر تعظيم أرباح الاقتصاد الإسرائيلي، ومساعدته للتمدد.
يأتي السؤال الأهم، عن الموانع الدينية والقومية، التي سقطت فجأة تحت مبررات الاغراء او الحاجة، هذا على الرغم من ان مقابل كل هذه الخزايا هناك الملايين ممن يفهمون ان إسرائيل احتلال، ولا يجوز العمل معها، على مستوى سائق الشاحنة، مرورا بعامل البناء في فلسطين، وصولا إلى ذاك الذي يبيع سمكها في الأردن، او يرسل لها خضراوات الأردن، من اجل إعادة بيعها في العالم.
لقد عشنا في زمن صعب، باتت فيه إسرائيل هي الحل عند كثيرين، ولم يعد احد يخجل، او يشعر بقلق مما يفعل، هذا على الرغم من ان كل هذا المال، حرام، بمعناه الديني والوطني والقومي والسياسي، لكننا شعوب يسهل اختراقها امام المال، دون ان ننكر ان هناك عوامل كبرى لم تجعل امام الأردني او الفلسطيني من باب سوى باب إسرائيل، وهي حالة تتجلى فيها المؤامرة بأبشع صورها.
الغد