فقهاء مترفون .. ومستفتون (أرأيتيّون)
عاطف الفراية
20-05-2007 03:00 AM
ملاحظة أولى: لم أحتفل عادة بالمقدمات النظرية لما أكتب اختصارا لوقت القارئ وابتعادا عن التنظير.. لكني أرى نفسي مضطرا هذه المرة.. فسامحوني.حين تتخلف الأمة في الفكر وفي البحث العلمي وفي التفكّر المأمور به في القرآن الكريم.. وحين لا تعي الأمة معنى أوسع وأشمل لكلمة (إقرأ) التي ابتدأ بها التنزيل الكريم.. وتسترخي العقول عن الإبداع وعن الانشغال بالقضايا المصيرية والأولويات الحقيقية للشعوب ..وحين ينحرف الفهم لماهية الدين ليتجه إلى أضيق حدوده.. يصبح (الفكر الفقهي) السائد ضربا من الترف الذي يسبح في خيالات ظل العالم الإسلامي في غنى عنها طيلة الوقت الذي كان فيه مشغولا بالدعوة الحقيقية والعمل الجاد..
وللترف في (الفكر الفقهي) السائد الآن مرحلة شبيهة ساد فيها فقهاء مترفون، وسائلون يبحثون عن أسهل الأمور من أجل تعقيدها وتفريعها والتوسع فيها في مرحلة أراد فيها صنّاع السياسة أن يذهب الناس في هذا الاتجاه مشغلين أنفسهم عن كل ما يفيد تقدم الأمة أو يؤدي إلى فتح أسئلة الاستبداد السياسي أو حتى على الأقل أن يتفرغ الناس للبحث عن حقوقهم المنهوبة.. ولا شك عندي أن صناع السياسة كانوا يغذون هذا الاتجاه عند الفقهاء وعند (مستهلكي الفقه) على حد سواء.. وقد سادت تلك الفترة بعد انتهاء الفتوح وقيام الدولة واتساع رقعتها وبعد استقرار المذاهب الأربعة وانشغال الناس بها وبالفروق بينها..الخ ..
كان الناس قبل ذلك يقرأون في القرآن الكريم( فاغسلوا وجوهكم) فيغسلونها .. هكذا ببساطة.. لكنهم في الفترة المشار إليها أصبحوا يشعرون بالحاجة إلى تعريف الغسل وتعريف الوجه وتحديد مساحته و..و وهكذا..
وظهر ما سمي ب (الأرأيتيون) أي الذين يكثرون من مخاطبة الفقيه بأسئلة تبدأ عادة بكلمة: أرأيت إن كان.. كذا.. فهل..كذا..وهكذا..
ومن أطرف ما ورد عن أولئك (الأرأيتيين) سؤال أحدهم لأحد الفقهاء الذي كان يتحدث عن (نواقض الوضوء) حيث سأله: أرأيت إن كان الرجل يحمل على ظهره كيسا مملوء بالفساء.. وانثقب الكيس.. وخرج منه ريح فلامس الجلد.. أينتقض وضوؤه؟ .. تخيلوا !!
والأمة الآن تعيش مرحلة استرخاء عقلي مشابه.. وإن اختلف السبب بل انعكس.. إلا أن ملامح الواقع السياسي المتشابهة وسهولة الاتصال بالمفتين وكثرتهم قد أعادت المشهد إلى الحضور.. والذي يستمع إلى برامج الإفتاء يسمع عجائب الأسئلة وغرائب الإجابات.. ولا بأس من مثال هنا..
في إذاعة معينة سمعت السؤال التالي من امرأة متزوجة من رجل لديه أكثر من زوجة: إذا كان الرجل في طبقة من الجنة أدنى من الطبقة التي فيها زوجته ويجوز له أن يزورها في طبقتها .. فهل يجوز له اصطحاب زوجته الأخرى التي في طبقة أدنى؟ وما ذنبي أنا التي أقوم الليل لأذهب إلى طبقة أعلى في الجنة؟ وزوجته الأخرى التي لا تقوم الليل بأي حق تزور طبقتي مع زوجي؟ .. أيضا تخيلوا!!
وبالطبع فإن الإفتاء الآن على الهواء في عدد لا أدركه من المحطات، ولك أن تسمع وتشاهد العجب العجاب من أسئلة غريبة وإجابات أشد غرابة..
وكل هذا لأن العقل العربي والإسلامي قد استكان لفكرة الهزيمة أمام الغرب والشرق في كل المجالات العلمية، ولا شك أن الذين تقدموا علينا كانوا قد حسموا الكثير من أمورهم منذ قرون وأهمها السياسة.. فقد استقرت لديهم قواعد ثابتة للتداول السلمي للسلطة وأراحوا هذا الجانب من عقولهم وفرغوها لما هو أهم.. أما نحن ففي هذا الجانب..(مثلا) ومنذ أربعة عشر قرنا لم نجب بعد عن سؤال واحد: من يحكمنا ..وكيف؟ إجابة شافية واقعية قابلة للانتقال في الظرف التاريخي والموضوعي. لذلك فقد أجبنا عن ملايين الأسئلة (المترفة)
آخر اختراعات هذا الاسترخاء والترف في (الفكر الفقهي) موضوع (رضاعة الكبير) حيث أباح رئيس قسم الحديث في كلية أصول الدين في الأزهر الشريف.. للزميل في العمل أن (يرضع من زميلته).. لتصبح أما له في الرضاعة.. وبالتالي يجوز له الاختلاء بها بوصفها محرمة عليه..!!! الأطرف أنه يقول إن هذه الرضاعة تبيح له الخلوة بالزميلة (طبعا مهي أمه) لكنه لا يحرم الزواج منها!!! (عجيب)
ولأنني (على ما أملك من جرأة) أستحيي من الخوض في هذا الموضوع، فقد اقترح عليّ (خميس بن جمعة) أن أترك لكم ملخصا للخبر كما هو لتربطوا بينه وبين بقية عناصر المقال بالطريقة التي ترونها مناسبة. مكتفيا بالإشارة إلى أن ( عالم الحديث) هو عالم بالنص.. والفقه يتطلب علما آخر هو (علم الاستدلال بالنص) مما يعني أن التخصصات الشرعية قد (ساحت على بعضها)
.................
(كان د.عزت عطية رئيس قسم الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر فجر مفاجأة حيث أباح للمرأة العاملة أن تقوم بإرضاع زميلها في العمل منعاً للخلوة المحرمة، إذا كان وجودهما في غرفة مغلقة لا يفتح بابها إلا بواسطة أحدهما.
واكد عطية لـ”العربية.نت” أن إرضاع الكبير يكون خمس رضعات وهو يبيح الخلوة ولا يحرم الزواج، وان المرأة في العمل يمكنها أن تخلع الحجاب أو تكشف شعرها أمام من أرضعته، مطالباً توثيق هذا الإرضاع كتابة ورسميًا ويكتب في العقد أن فلانة أرضعت فلانًا.
................
وقال عضو مجلس الشعب عن كتلة الاخوان المسلمين صبري خلف الله إن نحو 50 نائبا في البرلمان تدارسوا هذا الموضوع مساء الأربعاء وأعربوا عن قلقهم من انتشار هذه الفتوى اعلاميا، واقترح بعضهم تقديم طلبات احاطة، لكنهم اتفقوا على ارجاء ذلك، واعطاء فرصة للأزهر والاعلام لوقف الخوض في هذا الموضوع... )
Amann272@hotmail.com