الجهد المهدور في القطاع العام
المهندس مؤيد الحياري
15-07-2019 01:49 PM
لا شك إن من يراجع دائرة حكوميه يجد وبشكل مفرط أن حالة من الإحباط الشديد تعتري وجوه العاملين من تدني مستويات الإنتاجية وعدم الرغبة في أداء مهمات الوظيفه او حتى الإجابة عن إستفسارات العملاء او المراجعين ولو بسؤال واحد على الأكثر . عداك عن تقطيب الجبين و حالات العبوس التي تعتري المشهد.
وبالبحث عن حلول لهذه الظاهرة لا بد من الوقوف على الأسباب والمسببات كمرحله اساسيه ، فمما يثير الإستغراب أن لا جهد ولا إهتمام تقوم به المنظمات الإدارية والمؤسسات الخدميه بدراسه تحليليه شامله لبيئات العمل و آليات الإتصال والتواصل الداخلي بين الموظفين أنفسهم من جهه وبين مرؤسيهم من جهة أخرى ، فهل هي صحيه ؟؟ وتتمتع ببرامج استثمار الموظفين ؟ بدلا من إستغلال أكبر قدر من وقتهم ، في الحين الذي وصلت التجارب العالمية الناجحة في كثير من المؤسسات الريادية الى التحول من إدارة الوقت الذي يعد مصدرا محدودا الى ادارة الجهد (الطاقه) والتي تعد مصدرا غير محدود ضمن ابعاد أربعه هي العقل والعواطف و الجسد والروح ، فمن أجل إعادة تنشيط الموظفين بشكل فعال تحتاج المؤسسات الى تحويل تركيزها من محاولة الحصول على أقصى ما يمكنهم من موظفيها الى محاولة الإستثمار فيهم بشكل أكبر لزيادة حماسهم في العمل وجعلهم راغبين في القدوم الى المؤسسه كل صباح . وفي ذات الوقت يحتاج الأفراد إلى إعادة شحن طاقتهم الى التعرف على تبعات السلوكيات التي تستنزف تلك الطاقة ومحاوله تغييرها.
وسأتحدث عن أمثله واقعية من داخل المؤسسات الخدمية فعلى سبيل المثال إن أكثر ما يواجه الموظف العام اليوم والتي تشكل الجزء الأكبر من سبب الإحباط و إنحسار الولاء الوظيفي ، هو أن الموظف لا يعمل ضمن مهاراته وقدراته وتخصصه حيث يحتم عليه الواقع الوظيفي القيام بمهام متعددة قد لاتكون من ضمن واجباته الوظيفية ويجد نفسه مضطرا للعمل فيها مع أنها خارج نطاق تخصصه.
أو إما أن جهده واجتهاده وخبرته في مجال عمله التراكمي لتذهب هباءا منثورا في حال تم تغيير مسؤوله او رئيسه في العمل ، فيبدأ مشواره من جديد لبناء الثقة بينه وبين رئيسه الجديد وتبدا أزمة الخلافات فيجد نفسه أمام خيارات النقل (طوعا / كرها)او التهميش في مؤسسته .
فرحلة معاناة الموظف العام طويله وشاقه معظمها يقع بين الثقة في الموظف المكلف بالأعمال اوتقدير العمل والجهد للعاملين من جهة المسؤول ، وإنني لا استغرب ان يبحث الموظف بديلا عن مكان تخصصه الى مكان آخر بعيدا عن ازمة الخلافات والنزاعات الوظيفيه التي أصبحت سمة واضحة في المؤسسات العامه ، فتجد خللا كبيرا في الهياكل الأداريه وتردي للأداء و تراجع في الخدمات المقدمة.
لذلك يعتبر العقد الضمني بين المؤسسات وموظفيها اليوم محاولة من كل طرف لنيل أقصى قدر ممكن من الطرف الآخر في أسرع وقت مما سيؤدي الى إخفاق الاداء لكلا الطرفين حيث سيتم إستنزاف طاقاتهما بدلا من إثرائهما وسيشعر الموظفين بشكل متزايد بالإحتراق والإجهاد و ستضطر المؤسسات الى إبقاء موظفين يعملون بشكل أقل مما يجب بدلا من مساعدتهم لجلب كل طاقاتهم متعددة الأبعاد بكل إخلاص للعمل كل يوم .
المهندس مؤيد الحياري