السفير الفرنسي: لم افهم الفرق بين المنسف الكركي والسلطي
14-07-2019 09:33 PM
عمون - احتفلت السفارة الفرنسية في الأردن مساء الاحد بالعيد الوطني للجمهورية الفرنسية.
وقال السفير الفرنسي دافيد بيرتولوتي في خطابه بمناسبة احتفالات السفارة بالعيد الوطني الفرنسي إنه لم يتمكن من فهم جميع ألغاز الأردن.
واضاف "على سبيل المثال، فإنني لم أفهم لماذا تتغيّر شخصيات الأردنيين المسالمة واللطيفة تماماً عندما يقودون سياراتهم. لم أفهم من أين يأتي رعاة الغنم، الذين يبدو أنهم دائماً يخرجون فجأةً من قعر الوديان النائية حيث لا أحد. كما أنّني لم أفهم، إن كان هناك فرقٌ حقيقي بين المنسف الكركي والمنسف السلطي؟".
وحضر احتفال السفارة عدد من الشخصيات الأردنية وسفراء الدول في المملكة.
وتاليا كلمة السفير:
عندما بدأت بتعلّم اللغة العربية في باريس، قبيل 66 بالمناصب من أولى الأمور التي تعلمتها. اكتشفتُ حينها أنّ أدب اللياقة في اللغة العربية لا يقل عن مثيله في اللغة الفرنسية. كما اكتشفتُ أيضاً بأنّ اللقب المستخدم للسفير هو "سعادة". أعتقد، بعد مرور أربعة سنوات بأنّ هذه الصيغة صائبة فهي تصف حال أي سفير في الأردن. لقد كنتُ وعائلتي سعداء جداً خلال فترة إقامتنا هنا. ولقد استقبلنا الأردنيون بحفاوة وكرم ضيافة أينما ذهبنا، ونحن ممتنون لهم كثيراً على ذلك.
على المستوى المهني، فقد كان هذا المنصب، وهو المنصب الأول لي كسفير، منصباً مثيراً للشغف. وأتمنى أن أكون قد ساهمت في تطوير العلاقات الفرنسية الأردنية، المتينة، وخاصة في مجال التبادل وقطاع الشباب.
ولكن، يتوجب علي أن أعترف بأنني لم أتمكن من فهم جميع ألغاز الأردن. على سبيل المثال، فإنني لم أفهم لماذا تتغيّر شخصيات الأردنيين المسالمة واللطيفة تماماً عندما يقودون سياراتهم. لم أفهم من أين يأتي رعاة الغنم، الذين يبدو أنهم دائماً يخرجون فجأةً من قعر الوديان النائية حيث لا أحد. كما أنّني لم أفهم، إن كان هناك فرقٌ حقيقي بين المنسف الكركي والمنسف السلطي؟
ولكن على نحو أكثر جدية، فإنّي أعلم بأنّ الأردنيين تشغلهم بعض القضايا المهمّة وبأنّهم لم يعشيوا جميعاً نفس الأجواء الهادئة التي عشتها خلال فترة إقامتي هنا. تشمل هذه القضايا: البطالة، والخدمات الصحية ومستوى التعليم للأطفال، والقدرة على التنقل بسهولة من خلال وسائل النقل العام. ولذلك، بذلت فرنسا كل جهدٍ للوقوف إلى جانب الأردن.
لقد كُنّا حاضرين على المستويين الاقتصادي والمالي، لا سيما في مؤتمر لندن، الذي عقد في شهر شباط الماضي. حيث أعلنت فرنسا عن حزمة جديدة من الدعم الموجه للأردن من خلال الوكالة الفرنسية للتنمية، تبلغ قيمتها مليار يورو وتمتد على مدار السنوات الأربع القادمة، حيث تشتمل على قروض ميسرة ومِنَح. تستهدف هذه الحزمة قطاعات المياه والطاقة والتنمية المحلية، وهي قطاعات قامت فرنسا بدعمها في السابق، كما تمتد أيضاً لتشمل مجالي القضاء والدفاع المدني. والهدف الرئيس من هذه الحزمة هو رفع مستوى معيشة المواطنين في المملكة.
إضافةً إلى ذلك، وإلى دعم الجهات المانحة للأردن، فقد التزمت الحكومة الأردنية بالسعي الثابت للإصلاحات الاقتصادية، من أجل احتواء الدين العام وتحفيضه وتحفيز النمو والحفاظ على مكانة الأردن بصفتها وجهة جاذبة للاستثمارات الأجنبية. إنّني أرحب بهذا الالتزام. وبصفتي ممثلاً للبلد الذي ما يزال يحتل موقع أكبر مستثمر غير عربي في المملكة، أود أن أؤكد مجدداً على أنّ استقرار بيئة الأعمال في الأردن وقابليتها للتنبؤ أمران أساسيان لجذب المستثمرين إلى الأردن. إضافةً إلى سهولة ممارسة الأعمال التجارية وانفتاح الحكومة على مطالب المستثمرين.
كما أنّ فرنسا نشطة للغاية على المستوى التعليمي أيضاً. فقد انطلقت خلال الأشهر الماضية، برامج التدريب المهني الممولة من منح فرنسية في مجالي السياحة والفندقة. ويسعدني أن أنوّه إلى أنّ عدداً من الشباب الذين سوف يقدمون الطعام لكم الليلة هم من طلبة هذه البرامج في كلية لومينوس للتعليم Luminus Education ومؤسسة التعليم لأجل التوظيف الأردنية EFE -Jordan. هؤلاء الطلبة، بعضهم أردنيون من بيئات متواضعة، وبعضهم الآخر من اللاجئين السوريين، وبفضل الدعم الفرنسي ومؤسسات التعليم المحلية، فهم اليوم في طريقهم نحو مستقبل أفضل.
إنّ برنامجنا القادم الخاص بسياحة المغامرات ينطلق من هذا الهدف ذاته، ألا وهو زيادة الفرص المتاحة لشباب هذا البلد، حتى في المناطق النائية في بعض المحافظات - وأؤكد لكم هنا أنّ هذا البرنامج لا صلة له بشغفي شخصياً بالتجديف في الأردن. سوف يتيح هذا البرنامج، لأدلاء السياحة المختصين بسياحة المغامرات في الأردن فرصة الحصول على تدريب متقدم جداً من إحدى أهم مدارس العالم في هذا المجال، ألا وهي المدرسة الوطنية للتزلج وتسلق الجبال في شاموني.
وبهذه المناسبة أود أن أدعوكم جميعاً لأخذ صور شخصية (سيلفي) أمام الخلفية الرائعة التي وضعناها في الحديقة اليوم والتي تجمع بانسجام ما بين وادي رم في الأردن وجبل مون بلان Mont Blanc في فرنسا.
إنّ الانسجام أيضًا أبرز ما يميز الخلفية الأخرى، الموجودة خلفكم، والتي تقوم فنانة شابة أردنية-عراقية برسمها حالياً مع فنان شاب أردني-فرنسي، وهما مختصان في فنون الشارع. عندما ينتهيان من تنفيذ الرسم، ستظهر لكم لوحة تمثل ثقافة الصباغة في قرية لوتريك في جنوب فرنسا، وقرية غور الصافي جنوب غور الأردن. واليوم، يتم إحياء التقنيات القديمة في مجال الصباغة من جديد واستخدامها لخدمة المجتمعات المحلية. إنّ السفارة الفرنسية في الأردن، وبالشراكة مع اليونسكو، قد قامت بدعم سيدات غور الصافي المفعمات بالطاقة والانجاز، من خلال تعزيز مهاراتهن وتدريبهن في فرنسا، وتحسين منتجاتهن، وبالتالي تحسين مستوى دخلهن. إنّه ليس مشروعاً ضخماً. لكنه مشروعٌ رمزي، في منطقة من الأردن، نادراً ما تحصل على الاهتمام الذي تستحق. إنّه مشروعٌ ساهم بحق في خلق روابط إنسانية ذات منفعة حقيقية.
كما ذكرت سابقًا بالعربية، فإن تطوير صلات بين الأفراد كان من أهم طموحاتي في الأردن. ولهذا فقد قمنا بزيادة أعداد المنح الدراسية المقدمة للطلبة الراغبين بالدراسة في فرنسا. برأيي، فإنّ الاعتماد على نشاط المجتمع المدني ورغبة الشباب القوية في اكتشاف آفاق جديدة هو أفضل طريقة لمحاربة المفاهيم المغلوطة الموجودة أحيانًا بين أوروبا والشرق الأوسط وهي أفضل طريقة لإحياء هذا الشعور المشترك بيننا بالانتماء إلى نفس الحي، والمقصود هنا منطقة البحر الأبيض المتوسط التي تربط بيننا. إنّ المجتمع المدني النابض بالحياة لا يشكل تهديدًا؛ فعلى العكس، إنّ نشاط المجتمع المدني ميزة عظيمة، قادرة على حماية أي بلد من أخطار التطرف، وفي نفس الوقت محاسبة الحكومات حين يقتضي الأمر ذلك.
بالتأكيد، لا يمكن للمشاريع التي تنفذها السفارة، مهما بلغت منفعتها، أن تطغى على السياق السياسي والأمني في المنطقة. في هذا الصدد أيضاً، فقد استمرت فرنسا والأردن بتنسيق مواقفهما على نحو وثيق، وعلى أعلى المستويات، فخلال النصف الأول من هذا العام وحده، أجرى جلالته زيارتي عمل إلى باريس.
وفي إحدى هاتين الزيارتين، كان جلالته الزعيم العربي الوحيد الذي حضر الاجتماع الذي تمخض عنه اعتماد نداء كرايستشيرش للعمل على القضاء على المحتوى الإرهابي والمتطرف العنيف على الإنترنت. ستواصل فرنسا والأردن العمل معاً بشأن هذا الملف قبيل انعقاد الجلسات المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة.
تسعى فرنسا جاهدة مع الأردن إلى تحقيق السلام الدائم بين إسرائيل والفلسطينيين. وفرنسا مستعدة لدعم أي جهد جاد، بما في ذلك الجهود ذات الطابع الاقتصادي من أجل السلام، شريطة أن يكون هذا الجهد مكملاً، وليس بديلاً، لعملية سياسية تجري على الأسس والمعايير المعروفة والمتفق عليها دولياً، والتي على رأسها حل الدولتين.
فرنسا والأردن شريكان وثيقان في مجال الدفاع والأمن. فتنفيذاً لتوجيهات الرئيس ماكرون، قمنا بتقديم حزمة كبيرة من المساعدات العسكرية والأمنية، والتي ستساعد القوات المسلحة الأردنية وغيرها من الأجهزة الأمنية على مواجهة التحديات المرتبطة بحالة عدم الاستقرار بجوار الحدود الأردنية. في الوقت الراهن، سنواصل جهودنا الدبلوماسية بلا كلل لإيجاد حل سياسي في سوريا، التي يستحق شعبها السلام بعد 8 سنوات من العنف الفظيع.
إن الملف النووي الإيراني، الذي عملت بجهد عليه قبل تعييني سفيراً في الأردن، في صدارة جدول الأعمال الدولي من جديد. لاحظت فرنسا بقلق أن إيران قد تجاوزت سقف مخزون اليورانيوم منخفض التخصيب المسموح به بموجب اتفاقية فيينا. يجب احترام الاتفاق النووي لعام 2015 بشكل كامل، ونطلب من إيران التراجع عن هذا القرار وكذلك الامتناع عن اتخاذ أي تدابير أخرى من شأنها أن تتعارض مع التزاماتها النووية. الرئيس الفرنسي على اتصال مع نظيره الإيراني لبحث الشروط اللازمة لاستئناف الحوار بين جميع الأطراف. من الضروري للغاية أن نعمل على تهدئة التوترات المتعلقة بالملف النووي الإيراني.
فيما يتعلق بتلك الأزمات وغيرها، ما تزال تعددية الأطراف في صميم الدبلوماسية الفرنسية. يجب ابتكار حلول جديدة لمواجهة التحديات الجديدة. لكن إذا كان ابتكار الحلول في أغلب الأوقات امتيازًا لأحد الأطراف فقط، يبقى تنفيذ هذه الحلول مرهوناً بأداء الجميع. انطلاقًا من روح الشراكة هذه من أجل تنفيذ حلول يحتاجها عالمنا، سوف يعقد منتدى باريس للسلام للسنة الثانية على التوالي، في تشرين ثاني القادم.
أخيرًا ، أود أن أتوّجه ببضع كلمات باللغة الفرنسية لأبناء بلدي. كما في كل عام ، أود أولاً وقبل كل شيء أن أعرب عن احترامي وامتناني لقواتنا المشاركة في عملية الشمال. فتفانيهم واحترافيتهم يسهمان في الحفاظ على أمننا.
وأود أيضًا أن أشكر مجتمع الأعمال لدينا، بحيويته والتزامه الدائمين، بما في ذلك المشاريع الجديدة ذات المسؤولية الاجتماعية القوية - وفي ذهني العمل الذي قامت به مجموعةُ "مطارات باريس الفرنسية" مع Biblionef والمعهد الفرنسي لدعم اللغة الفرنسية، أو أكاديمية Orange الجديدة للترميز التي أنشئت بالشراكة مع Simplon.co.
وبطبيعة الحال، فإن الحضور القوي لشركاتنا وعلاماتنا التجارية هو الذي يمكننا كل عام من تنظيم احتفال رائع بالعيد الوطني. أشكر بحرارة جميع الرعاة المخلصين لاحتفالات 14 تموز، وأشجع ضيوفنا على الذهاب للقائهم في منصّاتهم.
سأخصّ هذا العام فندق Le Grand ،Sofitel مستقبلا، وعضو مجموعة Accor، الشركة الرائدة عالمياً في قطاع الفندقة، والتي هي راعٍ ومورد لجزء من البوفيه الذي نقدّمه اليوم . هذا العام أيضاً ستجدون لحوما فرنسية لذيذة.
لن أتهرّب من حقيقة أن السنة الماضية لم تكن سهلة بالنسبة لبلدنا. فقد أثارت حركة اجتماعية غير مسبوقة الاضطراب في فرنسا، وكشفت عن معاناة بعض المواطنين العميقة وسلطّت الضوء على بعض المطالب المشروعة.
لكنها شهدت، للأسف، أعمال عنف خطيرة، شوهت صورة بلدنا في الخارج. وبعد مشاورات وطنية لم يسبق لها مثيل؛ النقاش الكبير، الذي أمكن الفرنسيين في الخارج المشاركة فيه بفضل المنصة الإلكترونية التي أنشئت بهذه المناسبة، اتخذ رئيس الجمهورية والحكومة خيارات واستجابوا بقوة لبعض المطالب المطروحة، مع التأكيد من جديد على الحاجة إلى مواصلة الإصلاحات التي يحتاجها بلدنا.
أعتقد أنه يمكننا، بدون إصدار أي حكم سياسي، أن نفخر بقوة مؤسسات جمهوريتنا، التي قاومت هذه الأزمة وجعلت التغلب عليها ممكنا، مع الاحترام الكامل لسيادة القانون؛ يمكننا أن نفخر بنموذج النقاش السياسي العام الذي قدمناه؛ ويمكننا ببساطة أن نفخر بأننا أظهرنا أنّ أمة عظيمة مثل فرنسا كانت عظيمة أيضًا لأن شعبها لم يفقد الرغبة في التساؤل عن مصيره.
لقد شهدنا أيضًا مأساة وطنية، هي حريق كاتدرائية نوتردام. بعد مرور ثلاثة أشهر تقريبًا على الحريق الذي اجتاح الكاتدرائية، لم يعد المبنى في خطر مباشر ولكن عمليات تأمين سلامته ستستمر لعدة أشهر. لقد أثار الحريق المشاعر على مستوى العالم تقريبا. وأود، في هذا اليوم الاحتفالي بالعيد الوطني، أن أعرب مرة أخرى، عن امتناني لجميع الأردنيين، من جميع الديانات، الذين عبّروا لي عن تضامنهم مع فرنسا في هذه المحنة، وخصوصاً لأولئك الذين اختاروا تقديم دعم مالي.
أخيرًا ، وعلى صعيد أكثر إيجابية بكثير، شهد بلدنا انتخابات أوروبية، مثل باقي دول الاتحاد الأوروبي. حيث جدّدت هذه الانتخابات البرلمان الأوروبي تجديدا كبيرا وأفضت إلى تعيين جهاز تنفيذي أوروبي جديد. بالنسبة لهذه التعيينات، تم احترام معايير الكفاءة والخبرة والمساواة بين الجنسين والتوازن السياسي والجغرافي، التي طرحها رئيس الجمهورية. وينبغي أن نهنىء أنفسنا بإنشاء فريق جديد جميع أعضائه ناطقون بالفرنسية، وبتعيين امرأتين لرئاسة المفوضية والبنك المركزي الأوروبي لأول مرة. هذه الخيارات هي انعكاس لتوازنات سياسية جديدة في أوروبا، تطرح بعض الأولويات الرئيسية مثل التحول البيئي، وإصلاح النموذج الاقتصادي والاجتماعي، والأمن.
إنّ من شأن وجود اتحاد أوروبي قوي وفاعل أن يجعل منه لاعباً رئيسياً في العالم. فإذا ماكان لدينا في بعض الأحيان، نحن الفرنسين والأوروببين، شكوك حول قوتنا، فإنّ أصدقاءنا الأردنيين، يقدّرون مدى تأثير العون الذي يمكن أن يقدّمه الاتحاد الأوروبي في هذه المنطقة، ويقدّرون كذلك صوته المختلف والقوي بشأن مواضيع عدة.
في الوقت الذي أستعد فيه للعودة إلى وزارة أوروبا والشؤون الخارجية في باريس، لتولي مهام مدير الشؤون الاستراتيجية والأمن ونزع السلاح، أودّ أن أقرّ بأن العلاقة الفرنسية الأردنية قوية، متينة، وحيوية. ويعود الفضل في هذه النتيجة إلى حد كبير إلى جميع أعضاء فريق السفارة الفرنسية والمؤسسات الفرنسية الموجودة في الأردن، التي أود أن أشيد بها، باسمكم أيها الأعزاء. إن عملهم والتزامهم وجاهزيتهم الدائمة تجاهكم اولا، وتجاه شركائنا الأردنيين، بالطبع، هو ما يمكن فرنسا من التألق يوميًا في الأردن وتعزيز الصداقة الفرنسية الأردنية.