تشجيع الاستثمار أولوية اقتصادية متجددة
د. سامر إبراهيم المفلح
13-07-2019 10:23 PM
شهد الاستثمار الأجنبي المباشر تراجعًا ملحوظًا خلال العام 2018 وبنسبة اقتربت من 53% مقارنة بالعام 2017 ليبلغ حوالي 0.7 مليار دينار بحسب البيانات المنشورة، وهناك أسباب وعوامل متعددة قد تكون السبب وراء هذا الانخفاض لعل من أهمها الظروف السياسية المحيطة بالمملكة.
وتعتبر هيئة الاستثمار المؤسسة الوطنية الرئيسة المعنية بشكل مباشر بموضوع الترويج للاستثمارات داخل المملكة، كما يقع على عاتقها تسهيل الإجراءات المرتبطة بتسجيل وبدء المشاريع الاستثمارية المختلفة، وفي ظل الظروف والمؤشرات القائمة فيترتب على الهيئة الكثير من الآمال والتطلعات.
وهناك مجموعة من الأفكار والمقترحات التي يمكن العمل عليها من أجل إعادة تحفيز الاستثمارات الأجنبية وغير الأجنبية في المملكة، والوصول بها إلى معدلات مرتفعة لتسهم بشكل أكبر في قيادة النمو الاقتصادي والتجاوب مع تحديات البطالة.
فبداية تشكّل إجراءات تسجيل الاستثمار من تراخيص وموافقات وما يرافقه من كشوفات ميدانية متعددة، بالإضافة إلى تعدد التشريعات التي تضبط الأعمال أهم الجوانب الرئيسة المرتبطة بتحفيز الاستثمار، ومن التقارير المرجعية التي تقيس أداء المملكة في هذا الجانب تقرير سهولة ممارسة أنشطة الأعمال الصادر عن مجموعة البنك الدولي.
وقد جاء ترتيب المملكة في هذا التقرير للعام 2019 والذي صدر في العام 2018 بالمرتبة 104 من أصل 190 دولة شملها التقرير، ومن الحلول المقترحة للنهوض بترتيب المملكة في هذا التقرير هو تبسيط الإجراءات لمختلف الجهات الحكومية من خلال إعادة النظر في التشريعات القائمة بجميع مستوياتها من قوانين وأنظمة وتعليمات، وترشيقها لتكون تشريعات مرنة وعصرية وفق ضوابط لتتجاوب مع متطلبات التنافسية والأعمال مع الحفاظ على الدور التنظيمي للحكومة.
كما يشكّل الاستخدام الأمثل للتكنولوجيا من خلال الربط الإلكتروني بين قواعد البيانات لمختلف الجهات، وإعادة هندسة الإجراءات ليتم تصميمها لتعكس وجهة نظر المستثمر، وليس كما يتم في الكثير من الحالات بأن يتم أتمتة الإجراءات المتبعة حاليًا، أولوية من أجل تقليل عدد المراجعات والوثائق المطلوبة لبدء الاستثمار، كما أنه من المهم أن يتزامن هذا الجهد مع توفير خدمات وقنوات إلكترونية خاصة للمواطنين وقنوات وخدمات أخرى خاصة بالشركات والمستثمرين المحتملين.
الجانب الآخر المهم بعيدًا عن الإجراءات أو الخدمات هو عنصر التخطيط من خلال تحديد الأولويات الاقتصادية والميز التنافسية، ففي الكثير من الحالات تعتبر الجهات التنظيمية المسؤولة عن قطاع محدد، القطاع الذي تعمل به هو الأكثر أهمية، وحتى داخل القطاع ذاته قد تتعدّد الأولويات فهناك أشكال من الخدمات في مختلف القطاعات الاقتصادية والاجتماعية، وهناك أشكال متعددة للصناعات.
ولهذا ففي الكثير من الدول التي شهدت قفزات اقتصادية ملحوظة خصوصًا دول الشرق الأقصى، تبنّت الحكومات فيها النموذج الاقتصادي الرأسمالي الذي ترعاه وتوجهه الحكومة، بما يسمى النموذج الآسيوي الشرقي“East Asian Model”، وفي هذا النموذج تتبنى وتشجع الحكومة قطاعات اقتصادية محددة لتحفيز النمو، وللمساهمة في تطور الأعمال، وخلق فرص العمل، ويتم توجيه مختلف السياسات والبرامج الحكومية لزيادة تنافسية القطاعات المستهدفة مما يسهم في زيادة الاسثمارات فيها.
كما تلجأ بعض الدول إلى تحفيز الاستثمار من خلال النظر إلى القطاع المستهدف ذي الأولوية بنظرة شمولية استراتيجية بما يُعرف بمفهوم تجمعات أو عناقيد الأعمال "Business Clusters" فيتم تحليل القطاع بجميع جوانبه من حيث المواد الأولية، وسلاسل التوريد والإنتاج، وطبيعة الأعمال والاستثمارات داخل القطاع، والميز التنافسية والقيم المضافة، وعليه يصار إلى الترويج إلى مختلف الاستثمارات بما يتناسب ويتكامل مع متطلبات تجمعات الأعمال القائمة.
ومن الجوانب الأخرى الممكن تطويرها خلال الفترات القادمة لتحفيز العملية الاستثمارية خصوصًا في المشاريع التنموية ومشاريع البنى التحتية والمشاريع الكبرى، هو الجانب المرتبط بضرورة إيجاد إطار وطني شامل من أجل مأسسة الشراكات ما بين القطاع العام والخاص، فهناك العديد من المستثمرين الأجانب المهتمين بشراكة مع الحكومة أو جهات حكومية محددة أو حتى مؤسسات عامة مستقلة مثل صندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي وغيرها من الصناديق والجهات، وبالنسبة للمستثمر فإن الشراكة مع الحكومة أو المؤسسات العامة المستقلة يوفر التطمينات المطلوبة للمستثمرين، كما يمكن للحكومة وفي بعض المشاريع الكبرى أن توفر الضمانات أو الامتيازات ضمن الأطر التشريعية المتاحة.
وفيما يتعلّق بجانب الدراسات والتغذية الراجعة من المستثمرين الحاليين فمن الضروري إيجاد دراسات استقصائية دورية توفر المقترحات والملاحظات للمستثمرين الذين يمارسون أنشطتهم في المملكة، كما أنه من المهم جدًا عقد مقابلات مع المستثمرين الذين يغلقون أعمالهم أو يقررون نقلها إلى أماكن أخرى في المنطقة أو من حول العالم، لتكون أحد الروافد الرئيسة التي تسهم في تطوير مختلف السياسات المتعلقة بالاستثمار، وهناك مجموعة من الأبحاث تؤكد أنه وفي بعض الدول فإن أغلب الاستثمارات الجديدة التي يتم بدؤها تكون من مستثمرين قائمين ولهم مشاريع ناجحة في تلك الدول.
اليوم ومع الظروف الاقتصادية القائمة، والتي تشمل مديونية حكومية مرتفعة، وانخفاضًا في نسب الإنفاق الرأسمالي الحكومي من مجموع الإنفاق العام مما قد يقليل وتيرة النمو الاقتصادي، يشكل تحفيز وتشجيع الاستثمار خصوصًا الأجنبي المباشر أحد الحلول الرئيسة للتجاوب مع تحديات المرحلة الاقتصادية، إذ لا بد من الأخذ بجميع جوانب التحسين والفرص المتاحة للنهوض بالعملية الاستثمارية والوصول بها إلى مصاف الدول الرائدة عالميًا في هذا المجال.