لا ريب أن كلفة علاج ورعاية مرضى السرطان تشكل عبئاً تنوء به ميزانيات الدول فقيرها وغنيها، والتي أصبحت عاجزة عن الإيفاء بالتزاماتها تجاه المرضى فهي مشكلة صعبة وملحة وتستدعي التوقف عندها والبحث عن حلول جذرية لها قابلة للاستدامة في ظل تصاعد وتيرة التحديات الناجمة عن ازدياد حالات السرطان على مستوى العالم وخاصة الدول النامية التي ستحمل العبء الأكبر من هذه الزيادة.
يعد مرض السرطان من أعلى الأمراض كلفة وكثيراً ما يؤدي إلى إفلاس الشخص المصاب هذا إذا ما كان قادراً اصلا على الإنفاق على علاج نفسه ، كما أن الدول المتقدمة تنفق حوالي 7 % من ميزانياتها الصحية على مرض السرطان، ليكون ضمن المجالات الثلاثة الأكثر إنفاقاً في القطاع الصحي.
كما يتوقع أن تزداد هذه التكاليف بتسارع في مختلف الدول بسبب ارتفاع معدلات الإصابة بالمرض من جهة والتحسن الذي طرأ على حياة المصابين وطول فترات علاجهم نتيجة تطور أساليب التشخيص والعلاج من جهة اخرى ناهيك عن الزيادة المضطردة في تكاليف العلاج، حيث تشير التوقعات في العديد من الدول أن تكاليف رعاية مرضى السرطان مرشحة للارتفاع بشكل كبير وبنسبة قد تصل إلى 10 % سنوياً، وهي نسبة تفوق كثيراً معدلات النمو السنوي لهذه الدول.
فإذا ما أخذنا الولايات المتحدة كمثال فإن كلفة علاج السرطان قد قفزت من 27 مليار دولار العام 1990 إلى 90 مليارا العام 2008 ومن المتوقع أن تصل إلى 157 مليارا العام 2020.
أما في الأردن فلم يعد خافياً على أحد أن الحكومة لم تعد قادرة على الإيفاء بالتزاماتها تجاه مرضى السرطان وأن كلفة علاج المرضى أصبحت معضلة تواجه الحكومات دون أفق واضح لحلول مبتكرة، وأن الوضع الحالي على ما فيه من مثالب غير قابل للاستدامة في ظل سياسة ترحيل الازمات التي مارستها الحكومات المتعاقبة لذلك كان لا بد من تضافر جهود الجميع افرادا ومؤسسات للعمل على ايجاد حلول لهذه المشكلة من خلال توجيه الموارد المحدودة إلى الأفراد الأكثر فقراً والأكثر حاجة وإلى جهود الوقاية والكشف المبكر وأن تساهم المؤسسات والأفراد كل حسب طاقته في حمل بعض من هذا العبء، لذلك قامت مؤسسة الحسين للسرطان بإطلاق برنامج طموح للتأمين التكافلي ضد السرطان اطلقت عليه اسم “رعاية”، من خلال أقساط سنوية في متناول نسبة كبيرة من المواطنين تضمن لهم العلاج في مركز الحسين في حال الإصابة بالسرطان، وفي نفس الوقت المساهمة من مبدأ التكافل والحمد على نعمة الصحة في علاج من يصاب من زملائهم المشتركين في هذا البرنامج دون ان يتأثروا بتغير القرارات وتقلب السياسات. أنا أرى في هذا البرنامج لبنة أساسية ضمن منظومة مستقبلية للرعاية الصحية الشاملة من حيث قابليته للاستدامة بعيدا عن أوهام قدرة الوضع الراهن على الديمومة.
الغد