التعليم الجامعي .. أسئلة مشروعة
د.خليل ابوسليم
12-07-2019 11:47 AM
منذ سنوات عدة ونحن نحذر في عديد من المقالات من ملف التعليم الجامعي في الأردن، ويبدو أن صانع القرار الأكاديمي قد قطع عهدا على نفسه بان لا يستمع إلى أي جهة كانت واضعا رأسه في الرمال، مغلقا أذنيه بالطين والعجين.
حسنا فعلت الشقيقتين الكويت وقطر عندما فجرت قنبلتيهما تباعا في حضن المسئول الأردني، واللتان اعتمدنا جامعات محددة بعينها لدراسة أبنائهم فيها بعد أن استشعرتا ولمستا على ارض الواقع المستوى المتدني لمعظم الجامعات الخاصة في الأردن، والتي تحولت إلى تجارة رائدة في منح الشهادات الجامعية مقابل بضعة آلاف من الدنانير.
ثارت ثائرة المعنيين في الأردن، وقاموا بنفي كل ما قيل في ذلك، ثم ما لبثوا أن اعترفوا به لاحقا، ثم عادوا مرة أخرى لسحب اعترافاتهم مختلقين أكاذيب لا تنطلي على كل ذي عقل لبيب، ومارسوا أكاذيبهم على شاشات الفضائيات والقنوات الإعلامية دون خجل أو وجل، ثم تبع ذلك قرارات هزيلة لمجلس الوزراء لتعديل قانون الجامعات في محاولة منهم لتدارك الأمر قبل استفحاله.
في هذه العجالة، لا بد أن أشير إلى أن التعليم الجامعي في الأردن كان وما زال في مقدمة التعليم في الوطن العربي بالرغم من العوار الذي شاب مسيرته في العشرين سنة الماضية تحديدا، ولا احد يمكنه إنكار فضل جامعاتنا الحكومية وعلى رأسها جامعتنا الأردنية أم الجامعات في رفد الوطن العربي بالكفاءات والخبرات الأكاديمية المشهود لها في الوطن العربي خاصة والدول المتقدمة عامة.
لكن هذا لا يعني مطلقا أن لا خلل لدينا في مسيرة التعليم الأكاديمي التي بدأت تطفو على السطح بفعل فاعل، ويكاد يكون ممنهجا من بعض المتنفذين تحت شعار جذب الاستثمار المزعوم.
وأيضا لا بد أن أشير أن الدول التي سحبت اعترافها ببعض الجامعات، هي أيضا ساهمت بشكل كبير في تدني المستوى الأكاديمي لدينا عندما وافقت على إرسال أبنائها للدراسة بموجب اتفاقيات خاصة وبمباركة من وزارة التعليم العالي ذلك الوقت.
وهنا تبرز عديد الأسئلة في هذا الشأن، من الذي وافق على التدريس في نهاية الأسبوع، أو ما يعرف بالـ Weekend ؟ من الذي توسع في فتح شعب خاصة للطلاب القطريين والكويتيين في جامعات محددة بعينها؟ من الذي وافق على التدريس في مكاتب الارتباط؟ هل تعلم الوزارة أن بعض الأساتذة لم يزوروا جامعتهم الأم منذ سنوات عدة واقتصر تدريسهم في مكاتب الارتباط؟ هل تعلم الوزارة أن جزءا كبيرا من طلاب الدولتين وتحديدا قطر لا يحضرون للمحاضرات نهائيا ولا يقدمون الاختبارات ويحصلون على العلامات الكاملة؟ هل تعلم الوزارة أن سياسة بعض الجامعات تنفذ بموجب تعليمات شفهية بعدم ترسيب أي طالب عربي؟ وهل تعلم الوزارة أن الأساتذة في تلك الجامعات لا يجرؤون على ترسيب أي طالب عربي تحت طائلة عدم تجديد العقد؟ وهل تعلم الوزارة أن هناك أساتذة بحد ذاتهم تسند إليهم مهمة تدريس الطلاب العرب بموجب اتفاقية شفهية بينهم وبين عمداء الكليات؟ وهل تعلم الوزارة أن علامات الطلاب القطريين غير متاحة للمشاهدة لكافة الأساتذة في تلك الجامعات؟ وهل تعلم الوزارة أيضا أن هناك بعض من الأساتذة أصبحوا مقاولين لكتابة رسائل الماجستير والدكتوراه؟ وهل تعلم الوزارة أن مجلس الأمناء في تلك الجامعات مسيطر عليه من قبل مالكي الجامعة؟ وهل تعلم الوزارة أن بعض مالكي الجامعات يحملون شهادة السادس الابتدائي ويمارسون سطوتهم من خلال استثماراتهم؟ ثم من الذي يوافق على تعيين أعضاء مجلس الأمناء؟ أليست هي الوزارة؟ وهل أعضاء مجلس الأمناء فعلا مؤتمنين ومؤهلين لوضع الاستراتيجيات التعليمية لتلك الجامعات؟ ثم لماذا تخجل الوزارة من التأشير على تلك الجامعات – وهي معروفة بالمناسبة- التي أصبحت وصمة عار في جبين التعليم في الأردن؟
أسئلة كبيرة وكثيرة، وعلامات استفهام أكثر وأكبر، وبدل أن نضع رأسنا في الرمال، لنجعلها فرصة مواتية لإعادة النظر في كل ما يتعلق بالتعليم الجامعي، ولنبدأ بتصحيح الأخطاء وتولية الأكفاء لذلك الملف المعقد والخطير والذي يمس سمعة التعليم في الأردن، هذا إذا أردنا أن نعيد الهيبة والمكانة للتعليم في الأردن.
بقي أن أشير إلى أمرين اثنين، الأول ورد على لسان وزير التعليم العالي خلال مقابلته على شاشة الأردن اليوم عند سؤاله عن كيف يتخرج الطالب خلال 8 أشهر؟ حيث نفى الوزير انه قال ذلك رغم انه مثبت، وهذا أمر لا يعنيني أبدا، فلعلها زلة لسان لم يقصدها الوزير، لكن في معرض تبريره للتخرج خلال فترة قصيرة، قال حرفيا أن الطالب يدرس ثلاث سنوات في جامعة معينة، ثم ينتقل في السنة الأخيرة إلى جامعة أخرى ويتخرج منها خلال السنة الرابعة!!! فهل يعلم الوزير أن الطالب المنتقل من جامعة إلى أخرى لا يعادل له أكثر من 45 ساعة معتمدة، وفي أفضل الأحوال يعادل له 60 ساعة؟ وهذا يعني أن على الطالب دراسة نصف أو ثلثي المقررات للتخرج، وهذا يستغرق سنوات عدة، وهنا أرجو أن لا يقوم الوزير بنفي ذلك أيضا من باب الاستخفاف بعقولنا التي لا تعي تلك العبقريات.
أما الأمر الآخر، فهو مضحك مبكي في آن معا، إحدى الجامعات التي تدور حولها تلك الشبهات وتلك الأسئلة المطروحة آنفا، تجهز نفسها خلال أيام قليلة لاستقبال لجنة للجودة من قبل هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي بهدف الحصول على شهادة الجودة!!! وسلملي على الجودة..... وللحديث بقية.
. kalilabosaleem@yahoo.com