طلابنا بين الشَّدّة والشِّدّة
د.مهند مبيضين
11-07-2019 10:55 AM
حول الجامعات عشرات المقاهي، يرتادها الزبائن بأوقات مختلفة، منهم الكبار والصغار، والمقهى بناء حضري تاريخي كان محترماً حين كانت الحركة الوطنية تخرج منه فكان مقهى حمدان وسط العاصمة مقراً لانعقاد المؤتمر الوطني الأردني الأول، والشواهد عربيا كثيرة على ذلك، فيما الأدباء كانوا يكتبون نصوصهم فيها مثل مقهى «ريش» بالقاهرة، ولي بحوث في موضوع المقاهي والمدينة العربية في العصر العثماني.
لكن المصيبة اليوم، أن جلّ زبائن المقاهي منهم طلاب جامعات، الذين بعضهم يتركون محاضراتهم ويستقر بهم المقام هناك للتدخين وهدر الوقت. حين نرى مجموعة من الطالبات يلعبن الشدة ويتركن محاضراتهن ويُنهين الفصل الدراسي باكمالات ورسوب، ومثلهن الشباب وقد يكون كلّ ذلك بدون علم الأهل.
ترى لماذا هذا الانكشاف الاخلاقي؟ وكيف صار مُجازا لبعض طالبات الجامعة ارتياد المقاهي ولعب الشدّة وربما بل يؤكد البعض أن هناك تعاطي مخدرات بين بعض الطلبة.
الحديث لا يخصّ بالتأكيد جامعات مثل الطفيلة والحسين وآل البيت وغيرها. فهنالك خدمة المقاهي معدومة حول الجامعات والمجتمع محافظ، ولم يداهمها داء الاستثمار المصطنع.
حول الأردنية واليرموك وقريباً من بوابة مؤتة الشمالية عشرات المقاهي وعشرات الجرائم التي تحدث يوميا باضاعة المال وهدر الوقت للطلبة يهدرون زمانهم بكل ما للكلمة من معنى.
ليس الأمر هنا وعظاً، ولا نحن شرطة أخلاق، بل إن الرؤية للواقع مدمية وجارحة ومخزية، وهذا لا يعني ضمنا سبة أو عيبا على مرتادي المقاهي لكن لكل شيء أصول ووقت.
في المقابل هناك شباب وصبايا عاقلون مثابرون ملتزمون وهم الأكثرية، لا يتجنبون هدر الوقت او الذهاب للمقاهي، بل جزء كبير يعمل ويساعد اهله في الحياة ويدبر مصروفه وتكاليف دراسته.
تأتي طالبة وتقوم بذات الفعل لاجل تدبير العيش، في مكان كذا وتقول: يمكن اتاخر غدا قليلا لأن مكان الشغل بعيد، ويقول طالب آخر ذات الحجة ويتكشف أنه يعمل في مكانين وطيلة النهار وجزء من الليل. هذه الأعذار هي المحببة والممكن القبول بها من عضو هيئة التدريس بالنسبة لطالب كادح وجاد، امّا الحمقى فهم من يأتون متأخرين بسبب لعبة الشدّة وشرب الارجيلة، هذا هو المعيب والذي يهدر مال اهله ويقتل وقته، وهذا الواجب إصلاحه.
معركة التعليم يا سادة ليست بمن يعترف بجامعاتنا أو عدمه، بل باعترافنا نحن ومثلنا بقية العرب، باننا فشلنا آباءً وأساتذة، والاساتذة أكثر لانهم لا يشغلون طلابهم بما يجب أن ينشغلوا به من بحث وعلم.
فكل ساعة دراسية يجب أن يقابلها ثلاث ساعات دراسية في البيت والمكتبة، لكن ما يحدث هو التسهيل وصار المنهج الكترونيا مدمجا، وذلك من مصائب العصر وتردي الاحوال، حتى إذا طلب استاذ بحثا جاداً وتحضيراً، من المكتبة بدأ الطلبة بالـتأفف وربما انسحاب فاسقاط، ولاحقا لا يسجلون عنده، فالطلبة يريدون أيضا مواد أشبه «بالدلفيري».
هنا نقول: نعم فشلنا في قتل الفراغ عند الطلاب، فتلقفتهم المقاهي للعب الشدة طالبات قبل الطلبة، فكان جهدهم هباءً منثورا.
بين المقاهي قاتلة الوقت للطلبة، نضيع، ويضيع زماننا وأولادنا وبين الشَّدّة والشِّدّة ثمة شماعة نعلق عليها فشلنا ويضيع الاعتراف بالخيبة الكبرى. لكن على الأهل مراقبة ابنائهم جيدا، فلا يمنحونهم إلا مصروف الطريق وثمن سندويشة الجامعة. حين نغضب من فِلم ما، او لعبة ما، فعلينا الاعتراف قبلاً أن المصيبة موجودة في الواقع دون تجميل او انكار لها. (الدستور)