عندما تمنع الحكومة ممثلة بدائرة المطبوعات والنشر كتاباً تمت قراءته وجرى نشره بوسائل أخرى (صحف أو مواقع الكترونية) فهي بذلك تبدي حرصها على عدم توثيق اعترافها به بوصفه جزءا من النقاش الجاري والأفكار المتداولة "الشرعية". إنها تفعل ذلك وهي تدرك أن أحداً لا ينتظر هذا الاعتراف, بل غالباً فإن العكس هو ما يحصل, فالكتاب الممنوع يكتسب المزيد من الاعتراف بسبب منعه. ولكن الحكومات تعتقد أن الاعتراف بالأفكار حق سيادي لها وحدها.
لكن ما هي الأفكار التي تعترف بها الحكومات وتعتبرها جزءا من "الفكر الوطني"? من الواضح أن هناك حرصاً حكومياً, على أن لا تتعدى هذه الأفكار ما هو بديهي ومتداول ومكرر ومتوقع ومنتظر وما يقوله ويردده الجميع, أي باختصار ما يكرس البلادة والكآبة. إنها تفضل ما يعرف ب¯"التسميع", أي أن يتأكد بعضنا من أن الآخرين يحفظون الدرس. وقد ينكر أحد ذلك بقوله: هاهي المعارضة تكتب وتنشر ما تريد وبحرية تامة. وهذا صحيح, ولكن من قال أن أفكار المعارضة هي بالضرورة ودوماً ضد البلادة والكآبة? في الواقع إن المعارضة قد تعاني من هذين العرضين أكثر من الحكومات, فالأخيرة قد تجبرها علاقاتها وأدوارها أن تجدد أحياناً فيما تطرحه.
كتاب ناهض حتر الأخير "يساري أردني على جبهتين" الذي منعته المطبوعات من التوزيع في البلد, ينتمي إلى مضادات البلادة الفكرية سواء بالنسبة لمن يتفق معه ولكن خاصة بالنسبة لمن يختلف معه. هناك بالفعل أفكار قد تحظى بالكثير من الخصومة والجدل, ولكن الأفكار التي لا تثير خصومة وجدلاً تبقى محاطة بشبهة البلادة إلى أن يثبت العكس.
إن منع كتاب من التوزيع قد يعني فعلاً الحد من وجوده على أرفف المكتبات وقد يعني احتمال تقليص عدد النسخ المباعة محلياً, ولكن الشاطر هو من يعرف أن الأفكار سلع من نوع خاص لها سوق من نوع خاص كذلك.0
ahmad.abukhalil@alarabalyawm.net