يواجه قطاع التعليم العالي في الأردن عدة تحديات, حيث يشير العديد من الباحثين إلى أنّ هذه التحديات تتلخص بمجموعة من المظاهر تتعلق بـ: (ضعف الأداء المؤسسي في معظم الجامعات الأردنية, عدم وجود خطط تنفيذية ومؤشرات أداء قابلة للقياس, غياب الشفافية والمساءلة الحقيقية في الكثير من الجامعات, العجز السنوي في الموازنات والذي تشهده العديد من الجامعات, ظاهرة ازدياد عدد الطلبة الناتج عن الزيادة السكانية، زيادة الإقبال على التعليم العالي, محدودية البحث العلمي والنشر, إضافة إلى ضعف الشراكة بين القطاع الخاص ومؤسسات التعليم العالي في مجالات البحث العلمي والإبداع والابتكار, وتركيز الجامعات على إنتاج الكم وليس النوع, وغياب التركيز على شخصية الطالب من خلال البيئة الجامعية).

على الرغم من شح ومحدودية مواردها المادية والمالية فقد وجهّت الدولة الأردنية مجهوداتها الكبيرة في سبيل المراكمة في مصدر ميزتها التنافسية الناتجة عن تطوير مواردها البشرية, تلك التي اعتبرتها من أهم الأصول التي تعتمد عليها فيما يتعلق بتحقيق التنمية الوطنية المستدامة, حيث بقي قطاع التعليم العالي يحجز أهميته النسبية كأهم القطاعات الوطنية على الإطلاق حيث تتحمل الدولة الأردنية اليوم تعليم ما يقارب من ((1,700,000 مليون طالب وطالبة في مستوى التعليم المدرسي، إضافة إلى استئثار وزارة التربية والتعليم الأردنية بأكثر من (10%) من أموال الموازنة العامة للدولة.

تمّ تأسيس مركز الملك عبدالله الثاني بن الحسين للتميّز في العام (2006) كمرجعية وطنية للجودة والتميز في القطاع العام والخاص والأهلي بهدف نشر الوعي بثقافة التميّز والجودة، والأداء المتميز والإبداع, إضافة إلى توفير مرجعية إرشادية وطنية، ومعايير لقياس مدى التقدم، والتطور في أداء المنظمات الحكومية، والهيئات الرسمية، وغير الرسمية من خلال تعزيز قيم المنافسة الإيجابية بينها. تمنح الجائزة سنوياً للوزارات والمؤسسات والهيئات الرسمية، وغير الرسمية إضافة إلى الشركات, وهناك تسعة معايير رئيسية للجائزة وهي: معيار القيادة, معيار الاستراتيجية, معيار الأفراد, معيار الشركاء والموارد, معيار العمليات والخدمات, معيار نتائج متلقي الخدمة, معيار نتائج الأفراد, معيار نتائج المجتمع, معيار النتائج الرئيسية.

وقدر تعلق الأمر بالتجربة الأردنية فان جائزة الملك عبدالله الثاني بن الحسين للتميز بمختلف مستوياتها وفئات المنظمات المستهدفة فيها, كانت قد احدثت حراكاً تنافسيا ايجابياً عالي المستوى بين الوزارات والدوائر والشركات الأردنية في سبيل الفوز بهذه الجائزة, وبما انعكس عن ذلك من ارتفاع مستوى المعايير اﻹدارية والفنية التي باتت تعمل عليها هذه المنظمات, سيما وأن هذه المعايير التي تقوم عليها الجائزة تعتبر اداة للتقييم الذاتي(Self-Assessment) تستطيع أي منظمة أن تطبقها على نفسها بهدف الوقوف على مناطق القوة المؤسسية لتعزيزها وعلى عناصر الضعف لتجاوزها وتحسينها, دونما حتى أن تتنافس على هذه الجائزة.

.1 تميّز القيادة الإدارية:

شهد مفهوم القيادة اهتماماً واسعاً من قبل الباحثين والكتاب والعلماء المختصين في الإدارة، والسلوك التنظيمي، والسياسة، والعلوم الاجتماعية الأخرى, إضافة إلى استحواذه على اهتمام الطيف الواسع من المنظمات العامة والخاصة، وبكافة أشكالها, السياسية منها والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية ومنظمات الأعمال, وكان ذلك انعكاساً لاعتبار القيادة الإدارية العنصر الرئيسي المحرك والمحدد لنجاح المنظمات في عالم اليوم.

ولقد قامت المؤسسة الأوروبية لإدارة الجودة (EFQM) بتعريف القيادة الجامعية المتميزة بأنّها تلك القيادة التي تقوم بتطوير وتسهيل إنجاز مهمة الجامعة ورؤيتها وقيمها الجوهرية, تلك التي يتطلبها النجاح على المدى الطويل, إضافة إلى الحرص على تطبيق كل ذلك من خلال السلوكيات المناسبة, وتشير الى ان هؤلاء القادة هم من يندمجون ويشاركون شخصياً في التأكد من أنّ نظام الإدارة الجامعية قد تمّ تطويره وتطبيقه, من خلال استرشادهم ببعض النقاط التالية:

 قادة الجامعة هم من يطورون مهمة الجامعة (Mission) والتي تشير إلى السبب الرئيسي لوجودها, والرؤية (Vision)، ومجموعة القيم الجوهرية(Core Values) ، والأخلاقيات والثقافة المتعلقة بالتميّز, والتأكد من أنّ جميع أصحاب المصالح قد التقطوا معانيها, إضافة إلى متابعة حسن التنفيذ, وتقييم إدارات الجامعة من جميع المستويات, ويشارك القادة في جميع فعاليات التطوير والإبداع في الجامعة, إضافة إلى تطوير الهيكل التنظيمي ليشكل داعماً وحافزاً للإبداع والابتكار، والتميّز والجودة، والتعلّم المستمر.

 قادة الجامعة هم من يشاركون ويندمجون شخصياً في عملية التأكد من أنّ نظم الحاكمية الجامعية قد تمّ تطويرها وتنفيذها، ويتمّ العمل على تحسينها باستمرار مثل: تطوير الهيكل التنظيمي لدعم تنفيذ الاستراتيجية, التأكد من تطوير أنظمة الجامعة، وحسن تطبيقها, والتأكد من تطوير وتنفيذ السياسات والاستراتيجيات، وضرورة تحديثها باستمرار, والتأكد من تطوير أدوات القياس، ومعايير التقييم.

 قادة الجامعة هم من يندمجون ويتشاركون ويتفاعلون مع الزبائن مثل الطلاب، وغيرهم من المؤسسات والشركاء وجميع أصحاب المصالح، إضافة إلى المجتمع, ويحرص قادة الجامعة على تلبية حاجات وتوقعات ورغبات الطلاب، والمؤسسات الحكومية، ومؤسسات التمويل، والموظفين وجميع ذوي العلاقة.

 يدعم قادة الجامعة ثقافة التميّز، ويقوموا بتحفيز العاملين من أجل تحقيق التميّز الجامعي: حيث يتمّ توصيل الرسالة والرؤية والقيم الجوهرية، والسياسات والاستراتيجية من خلال القادة شخصياً لجميع العاملين في الجامعة, ويستمع ويستجيب قادة الجامعة لجميع آراء العاملين, ويشجع القادة العاملين ويدعمونهم في سبيل تحقيق أهدافهم وخططهم لتحقيق المنفعة المشتركة للجامعة والعاملين فيها.

 قادة الجامعة هم أكثر من يناصرون ويدعمون عمليات التغيير التنظيمي، ويتمّ ذلك من خلال العمل كمحرّكات للتغيير الإيجابي, ويشارك قادة الجامعة بقوة في جهود وخطط التغيير في الجامعة, ويوفّر القادة الموارد اللازمة لعمليات التغيير, والقادة هم من يديرون المخاطر المحتملة والمرتبطة بعمليات التغيير.

.2 تميّز الموارد البشرية:
يُمثّل رأس المال الفكري (المورد البشري) ميزة تنافسية حرجة للمنظمات الحديثة، ودعامة رئيسية في ضمان بقائها وازدهارها وتطورها, حيث يتطلب ذلك من إدارة الموارد البشرية متابعة الكوادر المعرفية النادرة لغرض استقطابها وجذبها كمهارات وخبرات متقدمة ومتميزة تستفيد منها المنظمات بشكل كبير, هذا وقد تحوّلت المزايا التنافسية التقليدية المعروفة، والمرتكزة على (خفض كلفة الإنتاج, والجودة العالية, وسرعة تسليم المنتج في الزمان والمكان المناسب, إضافة إلى المرونة، وسرعة الاستجابة للتغيرات في بيئة العمل، والقدرة على التكيف مع هذه المتغيرات), وهي مصفوفة المزايا التي تتصف بأنّها قابلة للتقليد والاستنساخ من المنافسين, لقد تحولت هذه المزايا التنافسية باتجاه القدرات المعرفية التي تمتلكها المنظمة والمتجسدة في عقول مواردها البشرية, وقدر تعلّق الأمر بالموارد البشرية العاملة في مؤسسات التعليم العالي, فقد عرفت (EFQM) الجامعات المتميّزة بأنّها تلك الجامعات التي تعمل على إدارة وتطوير ونشر المعرفة في سبيل إطلاق كامل القدرات التي يملكها العاملون سواء على المستوى الفردي أو على مستوى فرق العمل في كافة إدارات وأقسام الجامعة, حيث تقوم الجامعة بتحفيز ومكافأة العاملين والاستثمار في معارفهم ومهاراتهم في سبيل تحقيق أهداف الجامعة من خلال الخطوط الإرشادية التالية:

 تقوم الجامعة بإدارة وتخطيط وتطوير الموارد البشرية العاملة لديها من خلال:

أ‌- تطوير سياسات واستراتيجيات إدارة الموارد البشرية.

ب‌- يشارك ممثلون عن العاملين في تطوير الاستراتيجيات المتعلقة بالموارد البشرية.

ت‌- ربط خطط الجامعة للموارد البشرية وهيكلها التنظيمي مع السياسات والاستراتيجية.

ث‌- يتمّ الالتزام بأسس العدالة وتكافؤ الفرص فيما يتعلق بعمليات التوظيف في الجامعة.

ج‌- يتمّ مسح آراء العاملين فيما يتعلق باستراتيجيات إدارة الموارد البشرية في الجامعة.

ح‌- تحرص إدارة الجامعة على تحسين العمل والأداء من خلال المنهجيات المبتكرة والمبدعة.

 تعمل الجامعة على تحديد وتطوير واستدامة المعارف والقدرات التي يملكها العاملون لديها.

 تقوم الجامعة بإشراك وإدماج وتمكين العاملين لديها في جهود التحسين والتطوير, وتشجعهم على الاندماج في النشاطات والمؤتمرات والندوات المختلفة, وتتبنى وتدعم إدارة الجامعة إبداعات وابتكارات العاملين, اضافة الى تشجيع فلسفة عمل الفريق.

 تعمل الجامعة باستمرار على تشجيع الحوار بين العاملين في الجامعة في كافة.

 تهتم إدارة الجامعة بمواردها البشرية وتقوم بمكافأتها وتحفيزها, وتحترم الجامعة العاملين لديها في سبيل تمكينهم وزيادة مساهماتهم في تحقيق أهداف الجامعة, وتهتم إدارة الجامعة بالشؤون الصحية والبيئة وشروط السلامة العامة والمسؤولية الاجتماعية تجاه العاملين, وتطور الجامعة وتطبق نظم التأمينات الصحية والعلاوات والرفاهية للعاملين وعائلاتهم.

.3 تميّز الاستراتيجيات والسياسات:

فيما يتعلق بتميّز السياسات والاستراتيجيات في مؤسسات التعليم العالي, فقد وجدت (EFQM) بأنّ الجامعات المتميزة هي تلك الجامعات القادرة على تطبيق مهمتها ورؤيتها، وتطوير استراتيجيتها من خلال التركيز على تلبية رغبات أصحاب المصالح, وهي تلك التي تأخذ بعين الاعتبار اهتمامات واتجاهات قطاع التعليم العالي, وفي ذلك يكون من الممكن الاسترشاد بالعناصر التالية:

 تحرص الجامعة على وضع السياسات والاستراتيجيات بناءً على التوقعات الحالية والمستقبلية لجميع أصحاب المصالح من خلال العناصر التالية:

أ‌- ضرورة التأكد من أنّ المعلومات (مُدخلات الخطط) تمّ جمعها وفهمها من أجل تحديد الحصة السوقية، وفضاء بيئة التعليم الذي تعمل فيه الجامعة.

ب‌- تتأكد الجامعة من مدى استيعاب وفهم حاجات وتوقعات الطلاب والعاملين والشركاء والمجتمع وجميع أصحاب المصالح، تلك المتعلقة بالحاضر والمستقبل.

ت‌- التعرّف على واقع وتطورات قطاع التعليم العالي الوطني والمؤسسات المعنية بقطاع التعليم العالي من غير الجامعات, إضافة إلى مجموعة الجامعات المنافسة.

 تتأكد الجامعة من مدى بناء السياسات والاستراتيجيات المستندة إلى معلومات تمّ أخذها من نتائج مقاييس الأداء والأبحاث والتعلّم، والنشاطات الخارجية ذات العلاقة، وفقاً للعناصر التالية:

أ‌- تحليل مؤشرات الأداء من نتائج عمليات التقييم الداخلي للجامعة، واستخدامها في تطوير السياسات والاستراتيجيات.

ب‌- يتمّ الأخذ في الاعتبار نتائج التقييم الذي تُجريه الجهات الخارجية.

ت‌- تحرص الجامعة على تحليل صورة الجامعة في أذهان الزبائن الحاليين والمحتملين.

ث‌- مراقبة نتائج أداء الجامعات المنافسة، والتعرّف على أفضل الممارسات.

ج‌- يتمّ أخذ الاعتبار للبيئة القانونية والاجتماعية والسياسية عند وضع الاستراتيجية.

ح‌- يتمّ العمل على فهم مؤشرات الاقتصاد والمؤشرات الديموغرافية ذات العلاقة.

خ‌- تحليل آراء أصحاب المصالح، وتطبيق الممكن منها.

 تقوم الجامعة بمراجعة السياسات والاستراتيجية الجامعية، وتحديثها باستمرار من خلال:

أ‌- تطوير السياسات والاستراتيجية لتكون متوافقة مع رؤية الجامعة ورسالتها وقيمها الجوهرية وبناءً على تلبية حاجات أصحاب المصالح.

ب‌- الموازنة بين المتطلبات طويلة وقصيرة الأمد.

ت‌- تطوير التخطيط الموقفي ، وتحليل المخاطر، وتحليل السيناريوهات للتحوط لمخاطر المستقبل التي يمكن أنْ تواجهها الجامعة.

ث‌- الأخذ بالفرص الحالية والمستقبلية التي يمكن أنْ تكسب فيها الجامعة الميزة التنافسية.

ج‌- تعمل الجامعة على دعم وتشكيل الشراكات المطلوبة لدعم استراتيجية الجامعة.

ح‌- ضرورة الربط بين سياسات واستراتيجية الجامعة مع الشركاء الاستراتيجيين.

خ‌- تقوم الجامعة بتقييم كفاءة وفعالية الاستراتيجية وتحديثها حسب الحاجة.

د‌- يتمّ تحديد وتحليل عناصر النجاح الحرجة للجامعة وللعاملين فيها وذلك في سبيل توظيفها والاستثمار فيها.

.4 تميز الهيكل التنظيمي:
يمكن تعريف الهيكل التنظيمي بأنّه المخطط الذي يبين طبيعة عمليات الاتصال، وتبادل المعلومات (Communication) الرسمية وغير الرسمية, وكذلك توضيح نشاط القيادة الذي يسري في الجامعة من خلال عمليات التواصل ونقل الأوامر والتعليمات والتوجيهات للمرؤوسين, ومن خلال التعرّف على مفهوم الهيكل التنظيمي وأهميته للمنظمات, ونشير إلى أن من أهم الأدوار التي يمكن أنْ يلعبها الهيكل التنظيمي في الجامعات هي تلك المتمثلة في توحيد الجهود لإضافة القيمة لهذه الجامعات, تلك التي تكون انعكاساً لاستخدام فلسفة فرق العمل الفعّالة, وكذا تعزيز الفصل الإيجابي في المسؤوليات والصلاحيات, وتحديد نطاق الإشراف لكل وظيفة في الجامعة, والتخصيص الأمثل لأهم موارد الجامعة والمتعلق برأس المال البشري, إضافة إلى تسهيل تحقيق فعالية وكفاءة عمليات الاتصال المؤسسي بكافة الاتجاهات, الداخلية منها والخارجية.
.5 تميز الثقافة التنظيمية:
يتمثّل مفهوم الثقافة بشكل عام بمجموعة المعارف والقيم والمعتقدات وأنماط السلوك, إضافة إلى طرق التفكير التي يتشارك فيها الناس في الجامعة، وتحكم تفاعلاتهم وعلاقاتهم مع بعضهم البعض, أما فيما يتعلق بالعلاقة التي تربط الثقافة التنظيمية بالتميّز المؤسسي في مؤسسات التعليم العالي, فنرى أنّ الجامعات المتميزة هي تلك التي تمتلك في بنيتها الداخلية سياسات واستراتيجيات قوية وهيكل تنظيمي مبتكر من شأنها أنْ تشجع على خلق بيئة تحتضن عناصر الثقافة التنظيمية المتفوقة والمتميزة, تلك التي تكمن بعض خصائصها في تشجيع الابتكار والإبداع والتجديد في الأفكار, والالتزام بتحقيق الريادة والتفوق في كافة العمليات داخل الجامعة, اضافة الى تشجيع تحمّل المخاطرة لدى العاملين من أكاديميين وإداريين, وتشجيع البحث العلمي الذي يضيف قيمة للمجتمع, والاهتمام بحاجات المجتمع, والعمل بروح الفريق, وتحفيز حرية الرأي والمشاركة, ومقاربة فلسفة تحفيز التنافسية بين العاملين والطلبة, إضافة إلى امتلاك الأدوات اللازمة لتمكين إدارات هذه الجامعات من مقاربة منهجيات ناجزة تكفل الاستجابات السريعة والمرنة للمتغيرات التي تحدث في بيئة العمل الجامعية والنظم البيئية المحيطة بها, تلك التي لا تملك خياراً معها سوى التأثير المتبادل والمشترك فيما بينها.

|* الكاتب مقيم معتمد للأداء المؤسسي في جائزة الملك عبدالله للتميز والشفافية / اكاديمي وباحث متخصص في الحاكمية الرشيدة في الجامعات