في مشهد بثته اكثر من قناة تلفزيونية لمدينة صعدة اليمنية..خيم متواضعة ، وقدور صدئة ، حبل غسيل رخو ، أواني فارغة ومنكفئة قرب الخيمة، سيارة للصليب الأحمر تقدم مساعدات طارئة..أطفال بؤساء يعرضون يتمهم الصامت امام الكاميرا وذباب بليد وكثيف يرسم على وجوههم خريطة التشرد.
في افغانستان وفور دخول قوات التحالف رأيت ذات الصورة..أطفال بؤساء وذباب بليد وكثيف يرسم على وجوههم خريطة التشرد..في الرمادي وبعقوبة رأيت ذات الشيء أطفال بؤساء وذباب بليد وكثيف يرسم على وجوههم خريطة التشرد..في هاييتي في دارفور في غزة حتى في أكثر المناطق برودة مثل كوسوفو..كانت تنقل الصورة نفس المشهد قوات مدججة وذباب بليد.
بعد ان شاهدت آخر تقرير عن صعده..اكتشفت ان ذباب الحروب يختلف في الشكل والمهمة..عن ذباب الفقر و عن ذباب السلم..ذباب السلم يهاجم الأشياء ليتذوق..ذباب الفقر يهاجم الأيادي ليعيش..أما ذباب الحروب فيهاجم الوجوه ليستعمر..حتى صرت اتخيل ان الذباب 'احد اركان الجيوش النظامية' له زي مموج و رتب وأقدمية في الخدمة..وعند الاصابة يخرج 'بمعلولية'.
لكن حقا..ما علاقة الذباب بالحروب؟ ولماذا يختار وجوه الأطفال تحديدا ليبني أول مستعمرة للشقاء، محاولا التهام الشفتين والعينين والملامح كلها وإعادة رسمها على طريقته بالقذى والدمع العالق بين رجليه...سؤال سيظل يطرح كلما انطلقت رصاصة من بيت النار وانطلقت قطرة دم من فتق محترق.
الحرب القادمة: سيكون هناك ذباب فقط..بلا وجوه.
ahmedalzoubi@hotmail.com