لمواجهة هذا «التواحش» .. !
حسين الرواشدة
10-07-2019 01:30 AM
ما ان خرجنا من تحت سطوة لهيب ارتفاع اسعار المحروقات والكهرباء، حتى دخلنا الى «اقفاص» الدجاج وارتفاع اثمان البيض، بعدها وجدنا انفسنا امام «حظائر الابقار» التي تنتج الالبان والحليب مصدومين من اتفاق اصحاب شركاتها على رفع اسعارها الى نحو 25 %، اما كلمة السر في كل ذلك فعنوانها « الاحتكار»، هذا الذي اطبق على رقابنا كمواطنين مستهلكين، بلا رحمة.
تعمدت ان اشير الى الاقفاص والحظائر، لاقول : ان بلدنا اصبح يعاني من حالة «التوحش «، ليس فقط على صعيد الحكومات ومقرراتها التي تختزلها في المجال الاقتصادي بمعزل عن الاجتماعي والانساني، وانما على صعيد مجتمعنا ايضا، حيث اصبح بعضنا يتلذذ بأكل بعضنا الاخر، وحين لا يجد ما يأكله ربما يأكل نفسه انتقاما من كل شيء.
حالة « التوحش» التي تعبر عنها هذه المفاجآت الصادمة لارتفاع اسعار بعض السلع الاساسية، امتد ايضا الى مجالات اخرى، خذ مثلا العنف والجريمة والانتحار، خذ ايضا تصاعد حالات النصب والاحتيال، خذ ثالثا ارتفاع اعداد ونسب الطلاق، خذ رابعا انتشار خطاب الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعي، ولا تنس بالطبع ما نشاهده في الطرقات حيث وصلت بعض المناكفات الى القتل، و ما نراه حتى في المساجد ودور العبادة من صراعات بين المصلين على ابسط الاسباب، ثم حركة البلطجة التي اجتاحت اسواقنا تحت لافتة «ادفع خاوة»!
للاسف اصبحنا اكثر توحشا في علاقتنا مع انفسنا ومع غيرنا اكثر مما نتصور، اما لماذا فيكفي ان اقف عند مسألتين : الاولى تتعلق بما نقدمه لابنائنا في منهاجهم التعليمية من « قيم « واخلاقيات، سواء اكانت سياسية او دينية او اجتماعية، هنا لدينا دراسة تستحق التقدير والاهتمام قدمها الصديق الدكتور مهدي العلمي حول الموضوع، لا اريد ان ادخل في تفاصيلها، لكن النتيجة كانت صادمة، فمعظم القيم التي تتضمنها مناهجنا وتحتل الاولوية فيها لا علاقة لها بما يحتاجه ابناؤنا وما يعزز لديهم الاحساس بالوطن والانتماء اليه، ولا يغرس فيهم قيم العمل والانجاز والامانة والاخلاص والاهم من ذلك قيم السماحة والعدالة.
اما المسألة الثانية فتتعلق بالمناخات السياسية والاقتصادية ومقرراتها التي افرزت من الناس اسوأ ما فيهم،وحولت اغلبيتهم الى ضحايا يمارسون جريمة التوحش مضطرين ( هل هم مضطرون حقا ؟ ) يكفي ان ندقق هنا في معدلات ارتفاع الضرائب، وفي القيود التي يعاني منها الاستثمار، وفي غياب العدالة، لنكتشف ان هذا التوحش الذي يمارسه بعض التجار والشركات واصحاب العمل هو صدى لما ينزل عليهم من فوق، وبالتالي فانهم احيانا ( ليس دائما ) ضحايا مثلنا لا اكثر ولا اقل.
بقي لدي ملاحظة اخيرة، وهي اننا امام واقع اشبه ما يكون « بعموم البلوى « ربما لا تنفع معه الحلول العاجلة، او الردود المنفعلة.لا اتحدث هنا عن مواجهته « بالمقاطعة « عن الشراء كما يروج البعض لاجبار شركات الالبان على خفض اسعارها، وانما عن مواجهة اشمل تتعلق بضرورة قراءة « حالة بلدنا « الاقتصادية والاجتماعية، وتتغلغل فيها لوضع اليد على اسبابها والخروج بحلول من خارج صندوق المألوف، حلول عنوانها اعادة الاعتبار للانسان وقيمه واخلاقه او بمعنى آخر الاستثمار في القيم والاخلاق لانقاذنا مما نعانيه.
الدستور