حين يتكلم صوت الحكمة والعقلانية
الاب رفعت بدر
10-07-2019 12:22 AM
في مدينة الثقافة الأردنية للعام 2019، كفرنجة (أو كفر أنجا - أي مزرعة الفرنجة، بحسب التسمية الأصلية) نظم ملتقى الشفا الثقافي مؤتمراً، في جمعية شابات كفرنجة، حول «دور العادات والتقاليد العشائرية في حلّ النزاعات وحفظ السلم المجتمعي». وقد التقى لذلك عدد من شيوخ عشائر الأردن المعروفين بحضورهم وفعاليتهم، واستمعنا الى كلماتهم التي عرّفوا فيها على الدور الذي يلعبونه في تعزيز الأمن والاستقرار والسلم الاجتماعي، بالتعاون مع الاجهزة الامنية.
وحين طلب مني كلمة في هذا المنتدى المهم، تحدّثت كأحد ابناء محافظة عجلون العزيزة، وكذلك كرجل دين يعمل في الشأن العام عبر الإعلام، فقلت أنّ المؤتمر يجعلنا نفخر بتشجيع الثقافة والحراك الفكري، خارج العاصمة عمّان، هذا أولاً، وثانياً أنّ هنالك تشابهاً بين ما يقوم به رجل الدين وما يقوم به شيخ العشيرة: فكل منهما يعمل من أجل المصالحة واشاعة أجواء التسامح بين الناس.
في الكنيسة المقدسة، كان الرسل يسمُّون الشيوخ، كل من يحمل مسؤولية كهنوتيّة، وهذا اللقب عزيز كونه موجوداً في الكتاب المقدس. واليوم، وإذا أرادت الكنيسة أن تقيم أسقفاً أو مطراناً - او بالتسمية القديمة شيخاً، فعليه أن يتحلّى بثلاث خِصال نبيلة: أن يكون تقيًا، وأن يكون معلماً، وأن يكون حكيماً.
أن يكون الشيخ تقياً، والتقوى هي من الإيمان والمواظبة على الصلاة، واحترام الأديان الأخرى، والنظر إلى الدين بأنه عامل سلام لا خصام. لقد شبعت أرضنا العربيّة والعالم من الدماء التي أُريقت في السنوات الأخيرة من الإرهاب المبنيّ أحيانًا على متخلفين أرادوا استخدام الدين لأهوائهم الإجرامية. وقد ثبت فشلهم. ودور شيخ الجامع والكنيسة، كما شيخ العشيرة، أن يبيّن بتقواه الصالحة أنّ الدين للسلام لا للخصام. وعلينا جميعًا مسؤولية مواصلة الحوار والتعاون بين المسيحيين والمسلمين لأنّ الفروقات الدينية والطائفية تزول لحظة النظر ا?مشترك لحفظ السلام في المجتمع الواحد.
ثانيًا: أن يكون الشيخ معلمًا؛ والعِلم ليس محصورًا بالشهادات. إنه عِلم الفِراسة، وعلم الحياة. ولنا في الأردن مدرسة ننهل منها العلم العالي، والثقافة ونبل الأخلاق: إنّها مدرسة الهاشميين الأبرار، إنّها مدرسة الإيثار والعطاء، مدرسة الشعور الإنسانيّ والعمل الخيري، إنّها مدرسة التسامح وصدق النوايا والعمل من أجل السلام. ولا يستطيع المرء أن يكون معلّماً ونصوحاً، ما لم يكن متعلما وتلميذا نجيبا.
وعلى الشيخ أن يكون حكيماً؛ والحكمة نحتاجها اليوم. والحكماء لا يجب أن يكونوا صامتين، لأنّ الصامت عن الحقّ شيطانٌ أخرس. وكم نحتاج إلى حكمة «العقّال والعقلانيين» اليوم أكثر من ذي قبل! وشيوخ عشائرنا بغيرتهم ونباهتهم الفطرية، وكونهم جنوداً في خدمة القائد والوطن، وبحكمتهم وفطنتهم - يستطيعون، ونستطيع معهم أن نحيي الأمل في نفوس الشباب، وأن نُبقي الإيجابية في الحياة.
الراي