قبل سنوات، كنا بمعية جلالة الملك في إحدى الزيارات، طلب منا وزملاء أن نشارك في معالجة صحفية بما يخص الهوس الكبير بقصص الفساد غير الصحيحة والتي لا تعدو عن كونها اتهامات فردية أو إشاعات، وقليل منها وقائع ثابتة يتم تحويلها لهيئة مكافحة الفساد آنذاك، وقال: هناك مستثمرون من دول شقيقة يرغبون بالاستثمار ولكنهم يبدون تخوفات مما يسمعونه من قصص فساد ممكن أن يتهم بها أي شخص، بدوري اقترحت أن يتم تغيير اسم الهيئة الى هيئة النزاهة دون ذكر الفساد، فالإنطباع العام لنزيه أو غير نزيه أخف وطأة من فاسد أو غير فاسد.
الملك التفت الى مدير مكتبه د. عماد فاخوري وقال بابتسامة: جاوب، فأفصح فاخوري أنه تم قبل يومين مناقشة ذات الفكرة، وسترى مصطلح النزاهة قريباً، لكن مع ذلك بقي مصطلح الفساد متعلقاً بالنزاهة وهما مرادفان لا يلتقيان، وهنا نرى أن الإبقاء على فكرة مكافحة الفساد هي إثبات أننا بلد يعج بالفساد والفاسدين، ودائماً ما يتعلق الأمر بالفساد المالي أكان في المؤسسات الرسمية أو الشركات الخاصة، وقد يتورط البعض لقلّة خبرته.
بالأمس أعلنت هيئة «النزاهة» الموقرّة عن الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد من الأسماء دون الإفصاح عنهم، ولكن ما أن جنّ الليل حتى جُن جنون عفاريت السوشال ميديا والواتسب بتداول صورة عن نسخة قرار الحجز تم تسريبها من دائرة مالية لا علاقة للهيئة بها، وأصبحت الأسماء «علكة» بأفواه الجمهور الأردني، مع أن معلوماتي تفيد بأن الحجز التحفظي هو لغايات التحقق من فترة سابقة كانت تلك الأسماء أعضاء بإحدى الشركات المساهمة، وقد اتخذت الهيئة المقتضيات القانونية ضد متورطين معروفين ومنهم من سُجن، ومع هذا تبقى التهمة تطارد أي اسم حتى لو ثبتت براءته حسب العقلية الشعبية.
شخصياً لا أعرف من أعضاء القائمة سوى قامة تربوية كبيرة، ولم أعرف يوماً أنه يتعامل بالأعمال، ولكن المعلومات تفيد بأنه كان عضو مجلس إدارة كونه رئيساً لمؤسسة خاصة تابعة للمالكين للشركة موضوع القضية، ثم إن دققنا بالمعلومات أكثر سنجد أن اثنين من المتهمين قد بلغا من العمر ما يجعل المرء يحتار بهذه الأقدار، فأحدهما بلغ ثمانين عاماً والآخر وهو مستثمر عربي هنا منذ عام 1987 حسب المصادر قد بلغ ستة وثمانين عاماً، وهذا بالتأكيد ما تأخذ به الهيئة التي تتعامل مع القضايا عموماً بكل شفافية ومهنية وعدالة.
هنا لا نعترض على الإجراءات القانونية السليمة، بل على الذائقة الإجتماعية المتدنية والتي يقودها من يعشق أخبار الفضائح لغايات التشفيّ، دون التفريق بين الصحيح والكاذب أو المدسوس، لتلوك الألسن أعراض الناس دون بينّة، وحتى مع البراءة قد لا يسلم المتهم، فهو «فاسد بريء» حسب المحاكمة الجماهيرية، مع الإحترام للغالبية العظمى ممن يخشون الله في ألسنتهم.. الحمد لله على الطفرّ.
الراي