يحسب للحكومة طرح فكرة النهضة كمشروع وطني، اذ طالما كانت النظرة المستقبلية للحكومات قاصرة، لكن السؤال الذي يفرض نفسه ما إن كانت مسؤولية تحقيق النهضة المرجوة تقع على عاتق الحكومة وحدها. والجواب بديهي، إذ أن النهضة مشروع دولة لا مشروع حكومة، ومفهوم الدولة يتجاوز حدود الدوار الرابع، فهو مفهوم جامع ينضوي تحته كل اطياف وفئات ومكونات المجتمع الأردني بأفراده وأحزابه ومؤسسات المجتمع المدني وعشائريه وغيرها من مكونات تشكل النسيج الأردني.
من هنا تكمن الحاجة لاطلاق حالة من الحوار الوطني الواعي الجاد، تقوده الحكومة، ولا يستثني منه أي مكون أردني سيما الشباب الذي نعد المستقبل له ومن أجله، تلتقي فيه كل القوى الوطنية والهيئات والاحزاب والنقابات والجامعات والعشائر، لوضع خارطة طريق تشخص المشاكل والتحديات وتبتكر حلولاً ابداعية وغير تقليدية لنبدد حالة التشاؤم والاحباط حيال المستقبل، وليدرك الجميع أنهم شركاء في صياغة نهضة وطنهم، بعيداً عن محاولات التنمية السياسية النمطية التي ثبت فشلها على مدار عقود،وظلت الحلول عالقة عند قوانين الاحزاب والانتخاب والبلديات وغيرها، والنتيجة اعادة انتاج الازمات مرة اخرى بدلاً من حلها.
لكن وقبل كل ذلك، لا يمكن التأسيس لحالة حوار وطني جامع دون تعزيز الحريات وضمانها وصيانة حرية التعبير المسؤول، والتقاط الاشارات التي يطلقها أبناء الوطن المخلصين والمرتكزة على الهم الاقتصادي والذي يؤرق الشباب والمجتمع ككل.
وبقدر أهمية الشأن الاقتصادي باعتباره المحرك الرئيسي للاحتجاجات والحاضن لحالة التشاؤم وانعدام الثقة بمؤسسات الدولة، لكن يبقى ذلك جزء من مشهد وطني متأزم يتطلع لانفراجة تبدأ باصلاحات سياسية تقود لاصلاحات اقتصادية واجتماعية وثقافية، إذ أن تطبيق القانون بعدالة على الجميع، واشاعة المساواة بين جميع فئات المجتمع، والتوزيع العادل للتنمية، كلها مقومات للنهضة، إضافة إلى ضرورة تحديد النظام الاقتصادي للدولة، هل نريده اقتصاد ريعي، أم انتاجي زراعي، أم صناعي، أم سياحي .. الخ، كلها مفاهيم يجب أن نتوافق عليها تحت مظلة مشروع وطني، غير ذلك سنظل نراوح مكاننا - إن لم نرجع للوراء - وسنفقد فرصة ثمينة للنهوض بالوطن.
وهذا يستدعي توحيد الجهود وتعزيز مفهوم التشاركية الايجابية بين أفراد الطاقم الحكومي، فلا يستطيع رئيس الحكومة الاضطلاع وحده بهذه المهمة دون فريق متناسق متجانس متناغم، يؤمن بالمشروع النهضوي، ويدرك خطورة الظرف التاريخي الذي تمر به المنطقة والأردن، بحيث يعمل هذا الفريق على اشراك باقي الجهات ذات العلاقة للعمل بروح الفريق الواحد بكل اخلاص واحترافية وبمسؤولية وطنية.
المهمة ليست مستحيلة، فلدينا خارطة طريق تهدينا إلى النهضة لو أحسنا ترجمتها برامج عمل فاعلة، واقصد بالطبع الأوراق النقاشية الملكية، التي شخصت الحالة الأردنية بكل تفاصيلها وأحاطت بكل تحدياتها وقدمت حلولاً مبتكرة ستمكننا من مواكبة التحولات على كافة الأصعدة، وتخطي التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، دون الحاجة لاعادة اختراع العجلة مرة اخرى. بيد أن السبيل للنهضة لا يكون إلا عبر بوابة الحوار الوطني، والتشاركية بين جميع مؤسسات ومكونات الدولة دون اقصاء او تهميش. والأهم من كل ذلك أن تكون الحكومة بجميع اعضائها مؤمنة بمشروع النهضة عن سابق قناعة وإصرار وإرادة وفهم، لا أن تبقى تردده كشعارات وعلى استحياء، فتجرده من مضمونه وتفقده قيمته.
والله والوطن من وراء القصد