تحركات الأحزاب السياسية الإسلامية في مواجهة الحراكات والثورات الشعبية
د. عادل يعقوب الشمايله
08-07-2019 12:17 PM
لم تتعلم الحركات الاسلامية من أخطائها القاتلة عبر التاريخ. فالنهم التاريخي للسلطة والمال أضر بهذه الحركات التي تحسب نفسها على الاسلام، بقدر ما أضر الشعوب المقهورة خاصة التي صدقت شعارات الاسلاميين بأنهم وحدهم المُحرر من الاستعمار ومن حليفه وخليفته الاستبداد، وأنهم المُنقذُ أيضا من الفساد، ومن سيحرر الاراضي والحقوق المنهوبة.
عندما ثار الشعب المصري على حكم العسكر بقيادة مبارك ، التحقت الحركات الاسلامية التي تؤمن بالاسلام السياسي بالجموع التي اجتاحت شوارع المدن المصرية مجتاحة بذلك معالم السلطة المستبدة، وهادفة الى تبادل الامكان، بحيث تنتقل الجموع الى مقار السلطة لتحكم، وتقذف بالحكام الى الشارع والسجون.وقد لخصت الجماهير هذه النتيجة بمطلبيها: إرحل والشعب مصدر السلطات. في ظل التصميم العارم للشعب المصري على تحقيق الشعارين لم تعد الحيادية خيارا مطروحا امام قيادات الحركات الاسلامية فكان لا بد من الانحياز لاحد الجانبين: النظام المنهار أو الشعب الذي سجل عدة اهداف في مرمى النظام وبات واضحا أنه الفائز في المباراه. في الخفاء، ظلت الحركات الاسلامية ترصد التغيرات في موازين القوة بين مثلث النظام والعسكر والشباب الثائر، وتتحين الفرص للانحياز المضاد او الانقضاض.إختارت الحركات الاسلامية صف الثوار ظاهريا لانه الحصان الرابح في كافة الحسابات. غير أن هذا الحصان في نظرها كان حصانا أعجم يحتاج الى فارس، ولذلك قرروا وخططوا أن يكونوا الفارس ليقودوه الى مذودهم. كانت الحركات الاسلامية في غاية الهلع من ان ينجح الثوار المنتمون الى التيار المدني في استلام السلطة والانتقال الى نظام حكم مدني ديموقراطي مستنير. عندما توصل الاسلاميون الى نتيجة مفادها ان الثوار لن يسمحوا لهم بامتطائهم، وانهم ليسوا من عشاق استبدال استبداد النظام العسكري المنهار باستبداد اشد هو استبداد المشايخ ونمط الحكم الاعمى الاصم الذي يروجون له على أنه نظام حكم اسلامي والاسلام منه براء، قرروا ان يرموا أنفسهم في أحضان معسكر العسكر التائه والغريق حينها. أهدت لهم الحركات الاسلامية قشة الانقاذ من الغرق. وكانت الرسالة واضحة انهم هم القشة وانهم سيتحولون سريعا الى بوارج ومدمرات.
كلنا يعرف ماآل صفقة الغدر والتآمر حيث القى العسكر بالقشة في سلة المهملات بعد أن عَرّتْ التجربة نظام الحكم الاسلامي الذي اصطنعته الحركات الاسلامية وكان عنوانا على جهلها وقلة حيلتها وعدم خبرتها واهليتها للحكم فظهر عوارهم لعشرات الملايين من الشعب المصري الذي اضطر للخروج مرة اخرى الى الشوارع ليطردهم ويطاردهم حتى استطاع اعادتهم الى السجون التي هُربوا منها.
في السودان سارت حركات الاسلام السياسي على طريق مشابه للطريق الذي اختاره اخوانهم في مصر. الحركات الاسلامية كانت توئم الانقلابين على تعدد اسمائهم فعاثت في السودان فسادا وافسادا منذ استقلاله. بل وتآمرت مع اخوان مصر على تفكيك الوحدة المصرية السودانية نكاية بعبدالناصر بعد أن إنفضوا من حوله لانه ترك حليفتيهم بريطانيا وامريكا واتجه شرقا. وكان ذلك بعد سنتين من شهر العسل.
يثبت تاريخ الاحداث منذ بداية الربيع السوداني أن الحركات الاسلامية وقفت على مقربة قريبة جدا من الانقلابيين في السودان في مواجهة لا تبدو مستترة مع قوى الحرية والحكم المدني الديموقراطي. كان بودهم ان يكونوا منافقين للطرفين. الا انهم لم ينجحوا بعد أن كشفهم الشعب السوداني بعد عشرات السنوات من التضليل والاضلال والاستغلال والبيع. وبعد ان اعلن الثوار بقطعية لا تحتمل التأويل أنْ بُعداً للاسلامين وان لا مكان لهم في النظام السياسي المقبل. كان بود العسكر أن يحتضنهم ويسند لهم دورهم اللاوطني واللاشعبي المعهود. غير أن العسكر ايضا لم يعد يأمنهم رغم احتياجه لهم. وجد العسكر ان الحوار معهم انما هو تجديد لحالة عمر البشير المرفوضة شعبيا. بالنتيجة خرج دهاقنة الاسلام السياسي من المشهد وهم يمسحون غبار الكهوف التي قضوا فيها يخططون ويتأمرون.
الانباء القادمة من الجزائر تشير الى ذات الموقف الانتهازي للاسلام السياسي. فقد قبلوا وحدهم مبادرة الانتقال السياسي التي قدمتها فلول النظام البوتفليقي العسكري المستبد الفاسد. كافة القوى الوطنية الشريفة رفضت المبادرة. ولا زالت تطالب بحكم مدني ديموقراطي لا وجود فيه للفاسدين والمستبدين وحلفائهم جماعات الاسلام السياسي.
سننتظر ما ستؤول اليه الاحداث في غضون الايام المقبله. هل يفوز العسكر المستبد الفاسد المتخلف وحلفائهم الجاهزون حركات الاسلام السياسي عاشق السلطة والمال، أو تتطهر الجزائر من هذا التحالف ألأشر وينتصر الشعب الجزائري المتعطش للتقدم والحرية والديموقراطية وكرامة الانسان وحقوقه المشروعة ومن بينها ان يركب قاطرة القرن الواحد والعشرين بعد ان انهكته رحلة العودة الى المجهول.