قامت وزارة الثقافة والشباب بالتعاون مع مكتبة "أزبكيّة عمّان" ومع أمانة عمّان بالإضافة إلى مؤسسة وليّ العهد "مصنع الأفكار" بتنظيم مبادرة "كتابنا حضارتنا" وهي مبادرة تهتم بالقراءة والتشجيع عليها عن طريق "فرش" المدرّج الروماني بعشرات الآلاف من الكتب وإعطائها للقرّاء "مجانا" تتضمن مختلف العناوين من شتّى المجالات العلميّة والاجتماعية والأدبيّة، وقد لاقت المبادرة إقبالا "عجيبا" حيث حضر المدُرّج مئات الأردنيين حتى "فاض" المُدرّج بكتبه ومواطنيه على الأرض.
قد يَنُمُّ الحدث من الخارج ، عن أن مجتمعنا ، مجتمع مُثقّف ، يهوى القراءة والأدب ، لكن ، دعني عزيزي القارئ ، ألفتُ نظرك إلى عدّة نقاط ، الأولى : أنَّ الفئة العُظمى من الحاضرين ، حضروا تحت مبدأ " الي ببلاش كثّر منّه " ، لذلك قد صُدمَ المجتمع المحليّ بأشخاص جمعوا كميّات هائلة من الكتب في " كراتين " لبيعها خارجا في أسواق البلد على " البسطات " وكسب المال عن طريق بيع كتبٍ قد وُزّعت بالمجان على الشعب ، بقصد زيادة مخزون الثاقفة لديهم .
النقطة الثانية : كان هناك هدفٌ آخر من وراء هذه المبادرة ، فالمبادرة لم تكن فقط لتشجيع القراءة ، بل لزيادة السياحة الداخلية ، فقد تراجعت الأخيرة في السنوات الماضية بمستوىً كبير لدرجة أنّ شباب اليوم لا يعلم معالم وطنه الأثرية والتاريخية ، لكن ، إنَّ تشجيع السياحة الداخلية عن طريق "نثر" الكتب فيها ، هو أمر "تشجيعيٌّ" مؤقّت ، يزول بزوال الكتب التي قد شوهدت - للأسف - مُمزّقةً يلهوا بها الأطفال دون سنِّ القراءة ، فالأهالي - إِلَّا من رحمَ ربّي - قصدت المُدرّج لأجل الترويح عن النفس والتنزّه الذي ينتهي في الغالب بترك المهملات على الأرض ، وفي حدثنا هذا ، كانت المهملات ، الكتب .
النقطة الثالثة : إنَّ غياب التنظيم بصورةٍ " كافية " ، أدّى إلى نشوبُ خللٍ واضحٍِ أثناء إطلاق المبادرة ، من تدافعٍ بين الحاضرين ، إلى عدم تنظيم الكتب بصورة تُسهّل على الحاضر " الجاد " انتقاء كتاب يدور حول فلكهِ المُفضّل ، بالإضافة إلى خروج الكُتّاب والمُثقّفين الذي كانوا قد حضروا لإهداء بعض الكتب بصورة خاصّة للقُرّاء من المبادرة ، أو بمعنى أصحّ " هروبهم " من الاكتظاظ الجماهيري الكبير ، ناهيك على أن بعض الحاضرين قد تم رصدهم وهم يأخذون كتباً تكفي لمئات الأشخاص من باب أنّ تلك الكتب " ببلاش " ، سالبين بذلك حقّ القُرّاء باقتناء الكتب التي حضروا " فعلا " لأجلها .
ختاما ، يكفيني وصفُ هذه المبادرة ، بأنّها كانت "نِيّةً" حسنةً لكن "بتطبيقٍ" أقرب إلى السيّء ، فغيابُ الوعيِّ الثقافيِّ لدى المجتمع ، قد برز بصورة واضحة ، وأنّ إصلاحه لا يكون بهذه الطريقة ، فبرأيِّ المتواضع ، لَزِمَ بيعُ الكتب بسعر رمزيّ ، لاستقطاب الجادّين "والنّاوين" فعلاً على قراءة الكتب ، زِد على ذلك غياب التنظيم والتنسيق الأمني، اللذين إن حضرا، ستكون المُبادرة مُنظّمة بشكلٍ يسمح للجميع بالحضور بشكل لائق "وفعّال" والاستفادة من جميع الكتب التي تم إهدار جزء كبير منها ، أتمنّى أن نتعلّم من درسنا هذا ، في المبادرات الآتية في مناطقنا الأثرية التي تنتظر دورها لاستقبال مُحبّي القراءة.