التعليم الجامعي وحتمية اعادة هندسة منظومة التعليم العالي
فيصل تايه
08-07-2019 12:48 AM
بلا شك أننا بدأنا نوقن انا هناك خللاً ما أصاب بعض مفاصل مؤسسات التعليم العالي ضرب سمعة عدد من جامعاتنا الرسمية وغير الرسمية في بعض تخصصاتها ، ذلك ما يتطلب مراجعة الاعتماد الرسمي لتلك الجامعات ، خاصة بعد قرار الكويت وقطر إعادة النظر في تلك الجامعات التي تعتمد على مخرجاتها وكفاءة خريجيها اعتمادا كبيرة ، ما يلفت انتاهنا الى ضرورة نبش ملف الجامعات والعمل على " شدشدة براغي " بعضها خاصة التي خرجت منها عن مسارها الأكاديمي والعملي الصحيح في إشارة من معالي وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي الدكتور وليد المعاني فيما يتعلق بذلك .
إن ما أصاب مخرجات التعليم العالي في بعض تلك الجامعات يعتبر أحد أهم كوارثنا التي تحتاج وحدها إلى انقلابات مستمرة ، فانا اعتبر أن العبثية العشوائية وفقدان الأمانة العلمية جناية مُخزية في التعليم العالي تحتاج إلى إعلان حالة الطوارئ كي تبقى جامعاتنا على هيبتها ومكانتها الرائدة في صفوف الجامعات العربية ، وهذا يحتاج إلى طلب مساعدة كل الجهات الرقابية والمحاسبة للعمل على تطهير حقيقي لبعض الكوادر داخل تلك المؤسسات التعليمية الوطنية ، تلك الكوادر التي أصبحت عبئاً حقيقياً على الوطن وساعدت لتكون بعض جامعاتنا ذات السمعة مزرعة تفقس الأميّة والبطالة والعيب الحضاري وشباب خاوية عقولهم من كل شيء ، وتصدر بضاعة فاسدة لا جدوى منها ..!!.
أن التحديات المستقبلية تستدعي ضروره اعاده هندسة التعليم العالي بشكل عام وبما تتطلبه الضرورات ، فمن يطلع على أجندة وسجلات وتقارير ديوان الخدمة المدنية والتي تكشف عن أعداد الخريجين المتوقع تخرجهم في السنوات القليلة القادمة وعن خياراتهم وتخصصاتهم غير المنسجمة مع الحاجات سيصاب بالذهول ، لان الكثير منهم سينضم وبكل تأكيد إلى جيوش الخريجين الذين ما زالوا يعانون من سوء اختيارهم ، ليضافوا بذلك إلى صفوف العاطلين عن العمل ، مما يعني تفاقم في البطالة الهيكلية المقننة .
ولا شك أن حاجات و متطلبات سوق العمل تشكل جزءاً أساسياً من حاجات و متطلبات الطالب الذي يحصل على شهادته الجامعية ليكتشف أن رحلته الأصعب قد بدأت بعد تخرّجه ، فهي رحلة الحياة وتأمين لقمة العيش في ظل أسواق عمل تتميز بمنافسة شديدة لا يجد فيها ما يناسبه إلا من أعدته جامعته لفهم احتياجات ومتطلبات وآليات عمل تلك الأسواق ، ولا شك أيضاً أن حاجات و متطلبات سوق العمل تشكل جزءاً أساسياً وحاسماً من متطلبات تنمية مجتمعنا الأردني الذي يسعى باستمرار للتفاعل مع عالم يتغير وتتبدل متطلباته وحاجاته وأدواته وأساليبه وآلياته بسرعة مذهلة.
من هنا وجب علينا أن نعي دور التعليم العالي وإسهاماته في رفد أسواق العمل وفي المجتمع ككل ، ليس فقط بإعداد الطالب الإعداد السليم ليكون مواطناً خادماً لوطنه بالشكل الأمثل ، بل ليكون أيضاً منافساً رابحاً في أسواق العمل ، ذلك سيكون أحد أهم مدخلات تنمية المجتمع اقتصاديا وتربوياً واجتماعيا ، بالإضافة إلى تنشيط الآليات النوعية الضرورية لأسواق العمل من أجل تمكينها من تحديث بُناها الاقتصادية والتكنولوجية والعلمية وغيرها.
إن هذا الواقع يحتم علينا تغيير الأسس التقليدية التي يرتكز عليها التعليم العالي ، فيتطلب من مؤسسات التعليم العالي أن تكون أكثر مرونة وقدرة على الاستجابة للمتغيرات والحاجات المستجدة في أسواق العمل ، ويمكن في هذا الصدد الإبقاء على البرامج والمناهج الثابتة ، واستحداث برامج أخرى جديدة ومرنة تلبي متطلبات تطوير مهارات الموارد البشرية وفقاً للظروف الاقتصادية والاجتماعية والمتغيرات في سوق العمل ، وبذلك يجب أن نسعى جاهدين إلى جعل التعليم العالي قادراً على التأثير الجدي في مجتمعنا عبر تمكينه من تطوير ذاته مهنيا .. وتكوين المعرفة بذلك .. وإنتاجها .. ثم نقلها ضمن قنوات مناسبة إلى خلايا المجتمع لكي تصب في خدمة إنساننا ووطننا وأمتنا.
إن إعادة هندسة التعليم العالي وضمان ترابطه العضوي مع سوق العمل هو معيار نجاح أي مشروع يهدف إلى إعادة تنظيم التعليم العالي ، ووفق هذه الأفكار لا بد من بحث رؤى تفاعلية ثاقبة ، وذلك بتحمل الجميع لمسؤولياتهم ، فلا بد من إشراك الجميع في التخطيط لمستقبل الأجيال ، ولن نغفل عن ضرورة اعتماد تشاركيه في التخطيط بين القطاعين العام والخاص من أجل وضع الخطط الدراسية المستقبلية التي تؤمن بعداً سسيولوجياً لمجتمعنا ، فالمدخلات الأساسية التي يحتاجها سوق العمل تكمن في مخرجات التعليم العالي ، وكضرورة حتمية لا بد من شراكة حقيقية وراسخة بين هذين القطاعين ، ذلك يتطلب ضرورة وضع أولويات وآليات عمل إجرائية مع زيادة صلة المناهج الأكاديمية بسوق العمل لكي تتماشى بشكل أفضل مع متطلبات ذلك السوق ، وهنا يجب التنسيق إلى حد كبير فيما بين القطاع المهني والقطاع الخاص والعام وغرف الصناعة والتجارة أيضاً ، للعمل على أن إنتاج منتج مهيأ لتلبية الحاجات والمتطلبات الأساسية لأسواق العمل ، مع التركيز على جودة النظام التعليمي والذي يقتضي التركيز ليس فقط على المدخلات بل والمخرجات أيضاً ، فتكون هناك حدود دنيا ومهارات معينة يجب أن يتمتع بها الخريجون .
إن ضرورة بناء الكوادر البشرية بما يتناسب مع متطلبات سوق العمل ، وضرورة ربط التخطيط التعليمي بالتخطيط الاقتصادي في إطار خطة تنمية شاملة ، واستخدام التدريب وإعادة التأهيل بالتعاون مع الأطراف ذات العلاقة وخاصة القطاع الخاص ، ودعم التعليم الجامعي ، وربط التخصصات بالاحتياجات من القوى العاملة على المدى المتوسط والطويل ، وإنشاء قاعدة بيانات مربوطة بشبكة معلومات تستفيد منها الأجهزة المناط بها وضع سياسات الاستخدام وتخطيط القوى العاملة وتخطيط التعليم ، مع استمرار تحديث المناهج والطرق التدريسية لمواكبة التطور السريع في البيئة الداخلية والخارجية ، وإنشاء مراكز تدريب مهني ضمن الجامعة يساهم فيها القطاع الخاص بخبرته العملية وأساتذة الجامعة يتدرب فيها الطلاب الذين على وشك التخرج لينخرطوا مباشرة في سوق العمل ، سيضمن معالجة جذرية للخروج حتما من هذا الكابوس مع اعتماد استمرارية سياسة التوجيه المهني عبر القنوات الإرشادية المعروفة ، وهذا بتطلب التوسع في إنشاء الكليات التطبيقية وضرورة ربط التخطيط التعليمي بالتخطيط الاقتصادي في إطار خطة التنمية لتفادي تخريج قوى عاملة غير مرغوب فيها ، وبذلك نرقى إلى الحاجات والضرورات الملحة.
واخيرا وان اطلت .. ارجو ان لا يؤخذ علينا اننا نجلد تعليمنا العالي الذي نفخر ونعتز فلدينا الكثير من جامعاتنا الأردنية الرائدة ومعها نحتاج لرجالات دولة تربويين حقيقيين ، من ذلك النوع الذي يضع خططاً وبرامجَ ورؤىً من شأنها النهوض الحقيقي بمؤسسات الوطن وخاصة مؤسسات التعليم العالي ، ليسوا كأولئك الذين يعتبرون مناصبهم الرفيعة فرصة ذهبية ومؤقتة لمزيد من الامتيازات والنفوذ، فقطاع التعليم العالي بالذات يجب أن يحظى باهتمام رسميّ لا متناهي ، فهو المصحّة التي تداوي تشوّهات المجتمع، وهو المصنع الذي ينتج كفاءات المستقبل الحقيقية وليست الشكليّـة التي ملأت جامعاتنا وأسقطت مكانتها وسمعتها سنة تلو سنة ، وعلى الدولة التي تؤمن بديمومتها وتسعى لمستقبل زاهر وأن تستثمر في مخرجات جامعاتنا كمشروع وطني طويل المدى ولا غنى عنه.
املنا بشخص معالي الوزير امل كبير في شدشدة براغي التعليم العالي مع تمنياتي أن تكون هذه الرؤى قاعده للانطلاق نحو اعادة هندسه تعليمنا العالي ونبراسا للعمل بعيداً عن انتهاج تقليد أعمى اعتادت عليه جامعاتنا ، والذي سيضمن مستقبل مشرق واعد يضمن لابنائنا سبل العيش الكريم .
سائلاً المولى عز وجل أن يعيننا على تحمل المسؤولية