«موريس» مجرّد ديك فرنسي عادي، خلق ليصبح مبكّراً.. وظيفته الأساسية هي الصياح والصياح فقط، لا شيء يشغله غيرها، شأنه شأن ملايين الديوك حول العالم ليس لديه صفحة «فيس بوك» حتى يلتهي بها، وليس له حساب على «تويتر»، ولا يهتم بإنجازات الحكومة.. ولا يعنيه كلام الساسة المقيت.. هو يصيح فقط.. لكن صياحه هذا–الذي هو صلب عمله–جلب له دعوى قضائية من قبل جاره الذي تقدّم بشكوى رسمية على الديك نفسه.. ولا نعرف بعد كيف سيأخذ القاضي أقوال الديك.. وهل سيستعينون بمترجم «ديك مزارع مثلاً»..
«موريس» ذكرني بديكتنا القديمة، ديك العزّ الحقيقي، عندما كان الديكُ ديكاً.. فيه رجولة وشهامة وأنفه تجعلك تهابه أو على الأقل تحترمه وأنت تمرّ بجانب «ألخم»، كان الدّيك يقوم بدور كلب الحراسة، يتحمّل كامل المسؤولية، دائم اليقظة، حازم مع الدجاجات، لا يوجد دجاجة تطغى على دوره، أو تقترب من حماه، كان يلحق كل غريب يمر من الشارع، يدافع عن بيته الطيني ببسالة، وعندما ينتهي من المهمّة ينفض جناحيه ويصيح صيحة الانتصار، كان الدّيك المحترم السابق ينام باكراً، ويصحو فجراً، يصيح ويتمشّى في قاع الدار مثل أب نشيط، يحفر التراب بمخالبه، ويبحث عن القمح في مكان غربلة الأمس، وأحياناً إذا انزعج لأي سبب كان ينثر الشعير والقمح برجليه وكأنه يرفض المهانة أو الذل..
ديك هذه الأيام، ضعيف الشخصية، مائع، لا يأبه بمن يمرّ بالقرب من «الخم»، كثير النوم والكسل، لا يمون على دجاجه، أي دجاجة تتخطّاه وتمضي أمامه، يختبئ من الغريب، وأحياناً يدّعي الغفوة، ديك هذه الأيام ينام متأخراً.. شاهدت ديك الدار قبل يومين يشرب من الجرن الساعة الواحدة ليلاً «بجوز متعشّي شاورما».. سمين، وثقيل الحركة، وبليد المشاعر، وجبان، ديك هذه الأيام صار يصحو قبل صلاة الظهر بقليل بالكاد يخرج من الخم.. وإذا شعر أن الطقس حار عاد وجلس من جديد في ظل البيت.. والأسوأ من ذلك أن الديك لم يعد يصيح.. ما معنى الديك من غير صوته وهيبته؟ ما أهمية وجوده إذا تخلّى عن الصياح؟.. منذ أن ترك الديك مهمة الصياح الفطري.. والناس لم تعد تستيقظ على الموعد
الراي