بين الخاص والحكومي .. هكذا أرادها الدكتور أنيس الخصاونة!
د. حازم مقدادي
07-07-2019 05:45 PM
عند الوقوف على ما قررتهُ وزارتا التعليم العالي في دولة قطر و دولة الكويت الشقيقتين ، و محاولة فهم دوافعهما بتحرر و تجرد عن تلك المُصادفة الزمنية بينهما ، فإنني كمتابع شغوف لجميع المحاولات و الاجتهادات لِما ظهَرَ من تفسيرات لذينك القرارين ، و برغم ما لَحِظْتُهُ لما تخللته محاولات التفسير تلك من عناصر الفوضى الذاتية ، و عوامل التخبط الموضوعية ، التي بدورها أظهرت المشهد الرسمي في قطاع التعليم العالي في الأردن متخبطا و مرتبكا و هو يترنح تحت وطأة الصدمة و هول المفاجأة التي لم تكن بالحسبان، فلم أجد تفسيرا حقيقيا يقنعني و يقودني نحو جزيرة اليقين بعيدا عن بحار الشك ، بقدر ما جاد به علينا قلم الزميل الأستاذ الدكتور أنيس الخصاونة ، نائب رئيس جامعة اليرموك. كيف لا ، و قد أمطرنا حضرة الزميل بتحليلاته العلمية ، و دراساته الإحصائية ، المدعومة بإثباتات منطقية خلًصت بنا إلى استنتاجات مسنودة من مقدمات لا يُشق لها غبار!!
إن القاريء لمقالة الزميل الخصاونة ، و المُعنونة بـ "إنفلات الجامعات الخاصة يؤذي سمعة التعليم العالي" ، ليجدها بكل ما تضمنته، لم تُراعِ المنطق العلمي السليم لا من قريب و لا من بعيد. إذ أن حضرته حسم موقفه منذ البدء بعنوانٍ لمقالته لا يدلل على قسوته أكثر من قرائته ، ثم مضى في نهجه و استرسل مُحملاً وزر القرارين من الشقيقتين على عاتق الجامعات الخاصة دون سواها ، تلك التي عانت و ما تزال من التحيز لصالح القطاع الحكومي بالذات ، مبتعدا حضْرَتهُ عن أي تحليل علمي للوقوف على المشكلات الحقيقية في قطاع التعليم العالي الأردني برمته ، و العوامل الموضوعية التي قادت إلى تراجع هذا القطاع بشكل حادٍ على مدى أعوام مضت.
ففي سياق هجومه على هذه المؤسسات الوطنية نجد الأسلوب النقدي الذي انتهجه الزميل مُجافياً تماما للموضوعية و الحيادية و النَفَسِ الوطني الغيور على سمعة هذه المؤسسات ، و كأنها مؤسسات طارئة و متآمرة على مستقبل هذا الوطن ، دون أن يراعي زميلنا الكريم ما يسببه هكذا أسلوب من إحراج ، و ربما إهانة ، لخريجي و منتسبي هذه الصروح العلمية!
و هنا فلن نذهب لنخوض بكل ما ذكره الزميل من نقاط لتفنيدها ، حيث أن التهمة الملازمة للجامعات الخاصة في وطننا ، هي تهمة "الربحية" ، و هذا تماما بعض ما تنتهجه الجامعات الرسمية بشكل ربما يكون أكثر قسوة مما يحدث في القطاع الخاص، دونما حسيب أو رقيب، شعارهم بذلك ما قاله الشاعر أحمد شوقي: أحرام على بلابه الدوح ... حلال للطير من كل جنس؟! فعندما تطرق الزميل المُبجل لمسائل الكسب المالي و الأهداف الربحية للجامعات الخاصة ، نجده لم يُلْمِح لا من قريب و لا من بعيد لنفس الأهداف الربحية التي تنتهجها الجامعات الرسمية أيضا ، و لدينا من القرائن و المؤشرات في هذا السياق الكثير. نذكر هنا عددا منها على سبيل التدليل لا الحصر. و نبدأ بأولها، و المتمثل برسوم بعض التخصصات في الجامعات الحكومية، تلك التي تطابق رسوم مثيلاتها من الجامعات الخاصة ، إن لم تكن قد فاقتها. فإذا كانت الجامعات الحكومية ترى أن ما تتقاضاه من الطلبة من مبالغ لا يتعدى الكلفة الحقيقية للتعليم و ليس له أي أبعاد ربحية ، فكيف يشكل هذا المبلغ نفسه حالة ربحية بالنسبة للجامعات الخاصة؟!
نضيف إلى ذلك ، ما تم انتهاجه من تشويه لسياسات القبول الجامعي ، حيث أن أعداد الطلبة المقبولين عبر التنسيق الموحد هي أعداد قليلة بالمقارنة مع أعداد أولئك المقبولين بالبرنامج الموازي أو الدولي. و ذلك تحت ذرائع عدة ، كمحدودية السعة و تجانس مستويات الطلبة و تفعيل أهداف النخبوية المرتجاة! و لكن عندما يتعلق الأمر بالبرنامج الموازي أو الدولي ، نجد أن سعة القبول تتمدد فجأة و دونما مراعاة لأبسط القواعد آنفة الذكر، و كأننا نقول للطلبة أن معايير النخبوية المزعومة ستتراجع لصالح ما تدفعونه من أموال!
كما أننا نستذكر هنا ، و نُذكّر حضرة الزميل بالنهجَ المتبع في الجامعات الرسمية ، و المتمثل بتقييد استفادة عضو الهيئة التدريسية من مكافآت الفصل الصيفي ، و ارتهانه لعتبة أعداد الطلبة المسجلين في الشعبة الدراسية الواحدة ، فوجد المدرس نفسه رهينة لرضى الطلبة ، و مدفوعا نحو مجاملتهم لترغيبهم بالتسجيل في شعبه الصيفية، مما انعكس سلبا على استقلالية قرار المدرس و سياساته التربوية و الأكاديمية.
و هنا ، فإننا نسأل ، هل أجرى الزميل أية عملية إحصائية ، تراعي أبسط قواعد البحث العملي ، و من ثم استند على نتائجها كأرضية صلبة لما توصل له من نتائج ، أو أطلقه من أحكام؟! عملية إحصائية من شأنها أن تظهر توزيع الطلبة من الدولتين الشقيقتين بالنسبة للجامعات الأردنية. فهل توصل الزميل - دونما هكذا إجراء - إلى استنتاج راسخ بأن الأغلبية الساحقة الماحقة من أولئك الطلبة هم على مقاعد الدراسة في الجامعات الخاصة ، مما يجعل من تلك الجامعات مسؤولا مباشرا عن مسببات ذينك القرارين؟ أم أن ما أطلقه زميلنا من أحكام و خلاصات لم تكن أكثر من هرطقات أُطلقت على عناتها؟!
نعم، كنا كغيرنا، نتمنى أن يطالعنا حضرة الزميل الكريم ، و هو من أولئك الرهط الذين يرسمون سياسات التعليم العالي في هذا الوطن ، أن يطالعنا برأي علمي منطقي ، يتمتع بمسؤولية كبرى و يضع الأمور في نصابها و يطرح لنا جملة من الحلول التي بالإمكان تصورها و من ثم تنفيذها لتحسين واقع قطاع التعليم العالي في الأردن برمته، بعيدا عن تلك النظرة التي تتسم بضيقٍ بين ما هو حكومي و ما هو خاص!
الدكتور حازم مقدادي