عشيرة الحكومة على حساب الدولة
د.يوسف الربابعة
14-10-2009 03:06 AM
يحلو لكثير منا – ومن باب الدفاع عن العشائرية – أن يتهم الإعلام بتضخيم الأحداث التي وقعت ومازالت تتكرر بين مجموعات من العشائر وعلى امتداد الوطن من شماله إلى جنوبه، كما يحلو لهؤلاء أن يطمئنونا أن وطننا ما زال بخير، وأن الأحداث لا تشكل ظاهرة تستدعي الخوف، وأنا أشكرهم على تفاؤلهم وحرصهم على مشاعرنا، لكن الأمر في المقابل يحتاج إلى أن نقف عنده من أجل أن لا يتحول إلى مشكلة مستعصية، وعلينا أن نعترف أولا أن العشائر ليست المشكلة، فهي موجودة منذ زمن بعيد، لكنها لم تعد كما كانت في السابق، فقد شهدت كثيرا من التطورات على المستوى الاجتماعي والثقافي، لأن الأجيال الجديدة لم تعد تهتم كثيرا بالأمور العشائرية بسبب التطور العلمي والتكنولوجي، ثم هناك دور قامت به الحكومات المتعاقبة حين دعمت كثيرا من الذين لا يمثلون القطاعات الاجتماعية وأعطتهم ألقابا وامتيازات على حساب الزعامات التقليدية، وهناك طبعا قضايا كثيرة فتتت العشائر وغرست في نفوس الجيل الجديد كثيرا من القيم غير السليمة وزرعت العدائية والتشدد أيضا ولا مجال لذكرها في هذه العجالة.
وما أثار اهتمامي واستغرابي بل ربما استهجاني ما قامت به الحكومة في تعاملها مع المشاكل التي حدثت مؤخرا في كثير من محافظات المملكة، فقد حدث عنف اجتماعي ربما يكون غير مسبوق، ونحن هنا لا نسعى إلى التضخيم، ولكن ماذا بعد أن أزهقت أرواح ودمرت ممتلكات، أليست تلك من أكبر الكبائر ؟ وقد يكون كل ذلك متوقعا بل ربما مقبولا في ظل ظروف غير طبيعية، لكن الذي يثير الاستغراب هو قضيتان، الأولى أن المواطنين الأردنيين عندما تقع بينهم المشاكل لا يلجؤون إلى القانون والقضاء، ذلك أنهم لا يثقون بهما في تحصيل الحقوق، ولذا فما زال مزروعا بوعيهم أن الحق يأخذه صاحبه بيده، لأن الدولة حبالها طويلة، فالثقة منزوعة بقدرتها على إحقاق الحق الذي هو مسؤوليتها الأولى، وربما من نافلة القول أن نتذكر هنا أننا نسمع يوميا في الباصات والإذاعات والمجمعات كلمات أغنيتنا الوطنية التي تقول: ( الموت الاحمر للي عادانا ونقلع العين ان لدت تلانا).
المشكلة الأخرى والأكثر استغرابا أن حكوماتنا في السابق كانت تأخذ بالقضايا العشائرية من باب أنها ثقافة سائدة لا يمكن تجاوزها، وكان طموحنا أن نسعى لبناء دولة مؤسسات، ودولة مدنية تحقق العدالة للمواطنين وتزيد من ثقتهم بها، والذي يبدو أننا بدل أن نتقدم تراجعنا خلال السنوات الأخيرة حتى لم تعد هذه الحكومة حارسة للقانون المدني بل تحولت إلى عشيرة بنفسها، وما يدل على ذلك أن رئيس الوزراء عندما ذهب لحل مشكلة بين عشيرتين، لم يذكر لهم أنه يسعى لتطبيق القانون الذي هو أساس بناء الدولة وتدعيم أركانها، بل ذهب بوصفه شيخ عشيرة، ودخل ليأخذ (عطوة) يكون هو فيها (وكيل الدفا)، وهو في العرف العشائري الشخص الذي يمثل عشيرة معترف بها ويتعهد بكل الحقوق التي تترتب على الطرف المدان، وشيخ العشيرة التي تمثل (الدفا) تقوم بدفع مبلغ من المال من باب زرع الطمأنينة في نفوس الأطراف، وهو بالفعل ما قام به رئيس الوزراء، إذ تعهد بدفع كافة التكاليف من صغيرها وحتى كبيرها، ولا نعرف نحن المواطنين الذين دفعت الأموال من جيوبنا، هل نحن أعضاء في هذه العشيرة الكبيرة؟! أم أن الحكومة تحتكر عضوية تلك العشيرة لنفسها، وعلينا الدفع!!
كل الذين حضروا لا يذكرون أن رئيس العشيرة قد ذكر القانون المدني وحكمه وأهمية تطبيقه، وأن كل المشاكل يجب أن تتحول إلى القضاء حتى يتحمل الطرف المخطئ نتيجة خطئه، وإلا فإن كل الناس سواسية، المذنب وغيره، فمن سيقبل في المستقبل أن يرضخ لحكم القانون؟ لكنهم كلهم يذكرون أنه يعرف بقانون العشائر كأنه كان ابن دوواين، ولكن بقي أن نذكر أن وكيل الدفا قد يتعرض لمشكلة إذا نقض أحد الطرفين التعهد، ويسمى ذلك في العرف العشائري ( كسروا وجهنا)، ونرجو أن لا يحدث ذلك لشيخ عشيرتنا الكبرى.