سلامه حمّاد .. الساكن بين حدّ السيف وحرّ الصيف
د. مالك هاني خريسات
07-07-2019 12:26 PM
في كل الدروب التي سَلَكتْها الدول، قديماً و حديثاً ، تجد هناك علامات بارزة تتحدث عن "الأمن" و "الأمان"، إذ تستحضر هذه الدول كل مقدّرات القوة؛ المادية و المعنوية، العسكريّة الخشنة و المدنيّة الناعمة، كي تدافع عن أمنها و أمن مواطنيها، وكي تحفظ سيادتها وكرامتها.
ولعل القارئ لكل هذه العلامات يرى أن جميع الدول تعوّل كثيرا على بناء وزارة تختص بالشأن الداخلي ؛أمنيّاً، وتحصيناً، و حمايةً واستقراراً، هذه الوزارة تسميها دول "وزارة الداخليّة"، وأخرى تسميها "وزارة الشؤون الداخليّة" إلى غير ذلك.
سُقْتُ ما قُلْتُ ، وكلماتي هربت مني وانزوت، هل أكتب عن سلامه حمّاد السحيم " أبوماهر " الوزير! أم أكتب عن ذلك البدوي المتلفّع بالشماغ وقد "طًقّ اللصمة"، و شرّع أطراف عباءته ليملأْها عزماً وهمّة، أم أكتب عن ذلك الأردني الذي تنقل بين بادية الأردن، وبين مدنه، وبين باريس، باحثاً عن "القْراية" والعلم، أم أكتب عنها جميعاً، حينها هل يتبقّي لدي ورق؟
سلامه حمّاد السحيم، هاجسه الوطن والمواطن وأمنهما، رايته لا تُنكّس، وساريته لا تُكْسر، صوته يتردد في مساحات كل ضمير حي، ويُسمع صداه في كل زاوية من زوايا "الدّار الأردنيّة"، إداري شامل يُحيط بكل ما أوكل له من مهام بكل اقتدار ووعي، أصلح الكثير، أمعّن في التحديث والتطوير في الوزارة ورشّقها، فكانت قرّة عين الملك.
أعطى للحاكم الإداري هيبته، وأكّد على إعادة دوره الوطني، لكنه لم ينسَ أن يقول له: أنت عين الوالي وولي الأمر، الناس أمانة في عنقك، خِدْمتُهم واجب يجب أن تَنْهدَ له بكل أمانة واقتدار. لم ينس تجربة السابقين فبنى عليها، ولم يُغْفِلْ ذلك الموظف المتقدم في التجربة فيعطيه حقه، ولم يتخلّ عن ذلك الموظف الشاب الطموح، بعد أن أصاب الوزارة عجز الركود، والبحث دوماً عن اجابة لسؤالٍ هل من بصيص أملٍ في الأفق الوظيفي يلوح؟ فضَخّ في شريان الوزارة دماء الشباب، وشرع لهم الأبواب؛ليصنع منهم "موظف داخليّة" مطوٍّع له الظروف ومُهيئ الأسباب.
سلامه حمّاد السحيم، جاء من أم الرصاص، ليسكن أم المدن الأردنيّة، ووصل عمّان وقد توضأ بطهر تراب الأردن، و تنسّم رائحة الصحراء بِنُوقها وشيحها وقيصومها وقسوتها وعظمتها، وقطف من الدحنون الأردني ضمة ورد أهداها للمواطن الأردني القاصد عونه و مساندته.
سلامه حمّاد السحيم، لا يحب المجاملات الكاذبة، والنفاق الرخيص، ولكن كلمة الحق يراها أولى أن تُسمْع، لذلك لم أكتب عن غيره لأن في قوله تسكن مزامير الرجولة والصدق والعزم، وفي همته ترى الرجل الأمين، لا يحابيك لأنك فلان، و لكن يحبك لأنك أنجزت وأّدّيت الأمانة. لا يخشي في الله لومة لائم. و هنا لابد أن يدرك من يتتبع حروفي أني لا أرجو من سلامة حماد السحيم إلاّ أن يظل ذلك الشهم، و أن يبقى على العهد الذي قطعه على نفسه أمام الله و أمام سيدنا و أمام النا، وأنا واثق أنه فاعل ذلك!
سلامه حمّاد السحيم، أنت تعلم و نحن كلنا نعلم، أن علينا أن نتكاتف، وأن نرصّ الصفوف، وأن تعيش هوية الأَردن في النفوس قبل النصوص؛ وأن نتحرر من إشكالية تعدد الانتماءات ودفعها إلى التكامل بدل التباين؛ لأن التحديات كبيرة، و لأن المتربصين كُثْر، ولأن الموتورين لا يتركون شاردة ولا واردة إلا ويستغلونها للإساءة إلى البلد والى الناس؛ وحتى يتم ذلك لابد وأن تحافظ وزارة الداخلية على (شرعيّة الانجاز) وصواب المسيرة والنهج، وفرض منطق الدولة وسيادة القانون بحزم، وأن تعلم أن لا شيء يحل مكان "الأمن".
وفي هذا السياق، فإن فلسفة التطوير راسخة في ذهنية معالي الوزير؛ لأنه يملك (مخزون ذاكرة الإدارة العامة، وعمق التجربة الحكومية). فسلامة هو الذي يمتلك رؤية واضحة متكاملة لقضايا الوطن، وتحديد الأولويات، وفي مقدمتها توطيد دعائم الاستقرار والأمن المجتمعي والسلم الأهلي المحصّن ضد آفات المخدرات والخروج على القانون، وإطلاق العيارات النّاريّة ضمن خطة وطنية زمنية أمنية وقائية محددة الهدف والنتيجة.
قبل أن أغادر الحروف التي سُطرت، فإني أسمع من يقول ماذا تقصد بحد السيف فأعيد ما قلت: إن "أبا ماهر" قد أثبت أنه عميق في قراره، جريء في مواقفه، صارمٌ إلى حد الطلاقة في الحكم الإداري وشؤون وزارته.
أما حر الصيف ، فسلامه حمّاد لم يأتِ مملوءًا بترف أصحاب النّعَم الزائفة، أومتدثّراً بعباءة الغير، أو بالوصفات الغربية المُعلبة الجاهزة كأنها تُساقِط علينا رطباً جنيا، إنما جاء مكسوّاً بأشعة الشمس القاسيّة، ومشقة حياة غير هانية، وتقلبات الحّر التي تمتلئ بها فيافي الصحراء. يعرف هوية وطنه، وخارطة بلاده ؛ يعرف رويشد، وأم الجمال، وكوم الرف، وديرالقن، والدفيانة، وصبحا، وزملة الطرقي، أم حماط، وسويمرة، ودلاغه، ودبة حانوت، وطور الحشاش، والمصيطبة، وأم بطمة، وكفرهودا، وعليقون، وأبوالزيغان.
سلامه حمّاد السحيم، أنا لا أُجمالك، ولا أحاول أن أُسَوّق بضاعة عندك، ولكني قُلتُ ما قلت لأني أدري من هو سلامه حماد السحيم وزير الداخلية، صاحب المعالي المحترم، لذلك لقد خاطبتك حتى السطر الأخيرباسمك... و لكنك تعلم أني أخاطبك "مع حفظ الألقاب"! عن وطن يبحث عن رجال؛ يحفظون للأردن هويته.