ممكّنات النهضة الاقتصادية .. هل من قصور؟!
د. سامر إبراهيم المفلح
07-07-2019 03:19 AM
شهد الأردن خلال العقود الماضية إنجازات اقتصادية واجتماعية متعددة بالرغم من جميع الظروف المحيطة والتعقيدات الجيوسياسية التي تفرض تحديات متجددة وغير متوقعة، ولكن الطموح دائمًا يتعدّى الإنجاز الحالي، بل الرؤية المستقبلية تمتد إلى جعل المملكة في مصاف الدول الرائدة عالميًا.
وهناك أمثلة متعددة من حول العالم لدول محدودة الموارد الطبيعية، تشهد مناطقها تعقيدات سياسية وإقليمية واستطاعت خلال بضعة عقود أن تغيّر من واقعها، وأصبحت في مصاف القوى الاقتصادية التي لها تأثير عالمي ملموس، والقائمة تطول لأمثاله من الدول ككوريا الجنوبية، وسنغافورة، وهونغ كونغ، وسويسرا وغيرها من الدول.
الأردن اليوم يوصف بأنه دولة مؤسسات وقانون، والجهات الحكومية المسؤولة عن تنظيم كافة القطاعات تتشابه وبشكل كبير في أهدافها وهيكليتها مع المؤسسات الموجودة في معظم دول العالم المتقدم، بما فيها الدول التي حقّقت معجزات اقتصادية وبموارد محدودة، كما يتوفر في المملكة اقتصاد خدمات متقدمة، مع مساهمة فاعلة للقطاع الصناعي.
وبالرغم من محدودية الموارد المتاحة كالمياه والنفط على سبيل المثال، إلا أن الأردن قد يوصف بأنه غني في جوانب متعدده ويتوفر فيه ميز تنافسية عديدة وذلك عند النظر إلى المخزون الأثري والثقافي المتوفر لدى المملكة، وموقع الأردن الاستراتيجي في ملتقى ثلاث قارات، وموارده الطبيعية من مختلف العناصر كالفوسفات والبوتاس واليورانيوم وغيرها من الموارد، بالإضافة إلى العلاقات الديبلوماسية المتميزة مع معظم دول العالم خصوصًا القوى الرئيسة بفضل النهج المعتدل والقيادة الحكيمة.
والسؤال المهم ما المطلوب للبناء على النجاحات المتحققة على أرض الواقع من أجل إحداث قفزات اقتصادية إضافية لنقل المملكة إلى مصاف الدول التي تعتبر نموذجًا، وقصة نجاح اقتصادية يشار لها بالبنان، هل هو المزيد من الخطط والاستراتيجيات؟ أم المزيد من المؤسسات التنظيمية ؟ أم المزيد من التشريعات؟ أم المزيد من الموارد الطبيعية؟ أم المزيد من الدعم والمساعدات؟.
هناك وجهات نظر متباينة، ولعل الإجابة الأمثل قد تكون أننا بحاجة إلى جهاز تنفيذي منسجم في أهداف مؤسساته، يعمل كوحدة واحدة متكاملة لتحقيق الأولويات على مستوى الدولة وليس على مستوى القطاع أو حتى مستوى المؤسسة أو الدائرة داخل المؤسسة، وفي علم الإدارة الحديث يشار الى هذه الممارسة بما يعرف بالتآزر أو التضافر (Synergy) والتي تؤدي بالنتيجة بأن مخرجات المؤسسات في حالة التآزر (Synergy) تكون أكبر بكثير من مخرجات كل مؤسسة أو وحدة تنظيمية على حدة.
وتتحقّق هذه القيمة المضافة في حالة التآزر بين المؤسسات بسبب أن الجميع في مختلف المواقع والقطاعات يعمل لتحقيق الأولويات على المستوى الكلي خارج إطار الدائرة أو القطاع فقط من خلال نظرة شمولية تتعدّى الدائرة، لتكون نظرة كلية واستراتيجية بامتياز يهدف إلى تحقيقها الموظفون في جميع المستويات التنفيذية.
هذا بدوره يتطلّب منظومة اتصال أفقية وعامودية فعّالة، وتشريعات مرنة، وقيادات تنفيذية في مختلف القطاعات قادرة على ممارسة القيادة الجماعية في المؤسسات(Collective Leadership ) والتي تؤدي بالنتيجة إلى إدماج أكبر عدد ممكن من المعنيين في مختلف الدوائر لتحقيق المخرجات، ويتطلب أيضًا مرونة أكبر في العمل، وتفويضًا للصلاحيات، مع معرفة وإدراك شامل بالفرص والتحديات.
العديد من مقومات النهضة تم تحقيقها خلال العقود الماضية تشكّل اللبنة الأساسية للانتقال بالمملكة إلى مصاف الدول المتقدمة، والتي بالضرورة أن تتكامل مع جهاز تنفيذي عصري يطبّق الممارسات الأحدث في الإدارة العامة ويركز على النظرة الكلية لتحقيق الأولويات الوطنية في مختلف القطاعات وجميع المستويات الإدارية.