هذا ما يحدث في عمّان وأخواتها
ماهر ابو طير
07-07-2019 12:55 AM
لا تعرف كیف تسكت الدولة أمام ظاھرة المرابین الافراد، وتحدیدا المرابین الصغار الذین یقرضون الرجال والنساء على حد سواء، مقابل فوائد كبیرة.
ھناك ظاھرة جدیدة في الأردن، كانت موجودة سابقا إلا انھا كبرت خلال السنین الأخیرة، أي ظاھرة الإقراض بالفوائد من فرد إلى فرد، وبین أیدینا عشرات القصص عن محلات تجاریة تبیع أجھزة موبایل مثلا، سعره النقدي منخفض، لكنھا تبیعھ بسعر مرتفع، مقابل شیكات او كمبیالات، فیقوم رجال، ونسوة أحیانا، بشراء الجھاز، ثم بیعھ لاحقا إلى أي شخص، او إلى المحل ذاتھ، مقابل أي ثمن، لحاجة الشخص إلى سیولة نقدیة، وعملیة البیع تتم مباشرة، ولیس بعد الاستعمال، او بعد مرور وقت زمني.
الأمر ذاتھ ینطبق على ظاھرة الإقراض النقدي، أي أن تقترض من اشخاص، مقابل السداد بفوائد، وتتم كتابة شیكات، والفوائد اعلى من فوائد البنوك، وفي حالات كثیرة، لا یتم السداد بسبب التعثر، مثل الحالة السابقة، أي شراء جھاز الكتروني مثل الموبایل مقابل مبلغ مرتفع معُ الفوائد، وبیعھ لاحقا بحثا عن سیولة، وفي الحالتین لا یتم السداد، فتتم الملاحقة ثم السجن، ولو حللنا مئات الحالات او اكثر ممن في السجون او ممن تتم ملاحقتھم لاكتشفنا انھم غرقوا مع مرابین صغار، لا یرحمون ابدا، ویمثلون وجھا بشعا للمدینة في ھذا العصر.
تفشي ظاھرة الإقراض من المصارف إلى المؤسسات الصغیرة، وصولا إلى المرابین الصغار، امر خطیر جدا، لأن البلد بات یحكمھا من یمتلك المال فقط، ومن بیده القدرة على الإقراض، مقابل طبقة غالبة تعاني من مشاكل مالیة، وھذه الظاھرة اذا حظیت بمتابعة رسمیة، او تحقیقات استقصائیة صحفیة، لكشفت عن وجھ بشع لا یراه كثیرون، یغرس انیابھ في أجساد الناس دون رحمة او شفقة.
أین ھي الدولة ومؤسساتھا عن تفشي عن ھذه الأنماط، المخالفة قانونیا، وبالذات قیام الافراد بمنح قروض مقابل فوائد مرتفعة، خصوصا حین تصل الظاھرة إلى مرحلة منح المال مقابل الاشتراط على الرجل المحترم، أن یأتي بزوجتھ او ابنتھ لتوقع على شیكات، او تكفلھ، وبحیث یكون مھددا بعرضھ في ھذه الحالة، اذا لم یدفع، والمؤسف ان المروءة انحدرت بحیث بات كثیرون یقبلون ان یتم أسر زوجاتھم او بناتھم، مقابل مبلغ مالي یتم تبدیده سریعا!
لقد آن الأوان ان تتم معالجة ھذه الملفات التي تعبر عن قبح وبشاعة، وغیاب الإنسانیة في التعاملات، عبر أمرین، أولھما منع ھذه الطریقة في القروض، من فرد إلى فرد، بالفوائد الربویة، وثانیھما إعادة النظر بكل مبدأ الشیكات.
لا بد من حل غیر الشیكات، وتأثیرھا القانوني، على الأقل للمعاملات الجدیدة، لأن حجة الكل انھ بدون الشیكات، فإن لا ضمانات، وان الحركة التجاریة سوف تتوقف، وھذا الكلام على صحتھ، لا ینفي الیوم، ان الحركة التجاریة توقفت تماما، حتى بوجود الشیكات، بسبب حالة الانجماد الاقتصادي، والتعثر المالي، ویكفینا جولة في شوارع عمان القدیمة والجدیدة، لنقرأ مئات الیافطات التي تعرض المحلات التجاریة للبیع، والتي سوف تستقبل ضحیة جدیدة، بعد اخلاء المأجور على أمل ان یكون اشطر من غیره، واكثر حظا، وسط بیئة صعبة.
ظاھرة اقراض فرد بالفوائد لفرد آخر لیست جدیدة تماما، إذ كانت سائدة بین المزارعین والاثریاء قبل عشرات السنین، وقد تجددت الیوم بشكل اكثر قوة، وتتفشى أیضا حتى بین المزارعین، وبین ملاك الأراضي الذین یضطرون لبیع ارضھم إلى ذات من اقرضھم بسعر اقل، مقابل الخلاص من الدین.
لا یجوز أن تتفرج الحكومات على ھذه الظواھر ولا تتحرك، ولا تجرم كثیرا من الممارسات، ولا تمنع ھذه الانھیارات، والاجابة لم تعد ھنا مقبولة او مصدقة من احد، ولا إجابة مقنعة الیوم، سوى ان ھناك من یرید اضعاف الناس، وارھاقھم، وتحویل الخزان الشعبي في ھذا البلد الحساس، إلى خزان یفیض بالتعب، والشدة، وفتح كل بوابات التغییر الاجتماعیة والأخلاقیة علیھ، تحت وطأة الحاجة إلى المال، ومن لدیھ رأي آخر، فلیتفضل بھ.
الغد