لم تعد أزمة المال والأعمال في الوطن العربي مجرد وعكة أو انتكاسة يرجى برؤها، بل إن الأمر مرتبط بشح حاصل في الموارد العالمية جراء سباق التسلح المحموم والحرب المشتعلة في المنطقة منذ العام 1948 مرورا بالاحتلال الأمريكي الغاشم للعراق، وليس انتهاء بحروب الربيع العربي والتسخين الحاصل حاليا في مياه الخليج ضد ايران .
إذن نحن بصدد موجة استعمارية جديدة قد لا تتورع عن إشعال فتيل حرب عالمية ثالثة بحجج وذرائع مختلفة لتبرير التواجد المكاني والزماني والحشد الكبير لهذه القوى العظمى في منطقتنا المستباحة على وقع أزمة ماء وغذاء متوقعة، وحرب طاحنة لا وقود لها غيرنا حين تعصف بالعالم أجمع تحت وطأة تغيرات مناخية هائلة.. هي حملات صليبية (أنجلو – أميركية) غالبا ما كانت وما زالت تستسهل النيل من الشرق الأوسط لتعيد تموضعها كمتصدر للمشهد العالمي بعد ان سحبت منها النمور الآسيوية وخاصة الصين وروسيا بعضا من قطبيتها الأحادية، وبعد أن أثبتت قاعدتها الإسرائيلية المتقدمة في المنطقة عجزا هائلا أمام حلف الهلال الشيعي الآخذ في التعاظم.
إن ما حصل بحق المهندسين الأردنيين والفلسطينيين واللبنانيين في كازاخستان مؤخرا من اعتداء آثم هو نسخة مصغرة لصراع على موارد العيش قد يتكرر في أكثر من قطر عربي وأجنبي كبوادر أولية لتجليات هذه الأزمة الماحقة، وقد سمعنا مؤخرا بعض الغرابين الذين كانوا ينعقون لتكرار ذات النموذج في بلدانهم وطرد من وصفوهم بــ"شتات الرومان" في واحدة من أبشع الحملات العنصرية بين أبناء العرق الواحد على مر التاريخ.
لا مناص امام الخطر الوجودي الذي يتهدد منطقتنا بمجاعة حقيقية من ثورة على نمطية الفكر العربي وثقافة الإنتاج بنسختها المعدلة وراثيا حسب إملاءات البنك الدولي ووكالات الإنماء الأجنبية والــNGOS، حيث يجب أن تنبثق ثورتنا البيضاء من قاعدة تحقيق الاكتفاء الذاتي في المورد الغذائي على أقل تقدير، ولنا في سوريا التي استطاعت مقاومة الجوع رغم السبع العجاف أسوة حسنة، واليوم العراق ينحو نحوها لجهة إعلانه رسميا تحقيق الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح.
ولعل النظام العربي سيضطر في لحظة من اللحظات لتحقيق أشكال أخرى من الاعتماد على الذات لا سيما في المجالات العسكرية، حين يكتشف أن سياسة الولاء للآخر مقابل البقاء على الكرسي لم تعد تجدي نفعا أمام جشع المستعمر ونهضة الحزام الإقليمي الذي قد يمثل بديلا جاهزا يمكن ان تعتمد عليه القوى العظمى كمندوب سام شجاع وقادر على حماية مصالحها، وفي نفس الوقت يستطيع تقاسم الغنائم وفق الحد الادنى من الكرامة الوطنية.
خلاصة القول إننا مقبلون على ارتطام عظيم ستزول معه دول وشعوب بأكملها، وسيكون البقاء فيه للأقوى وللأقدر على صناعة حرب شوارع غير نظامية، بحيث تذود عن آخر الحياض وتحمي الرمق الأخير من جبهات تترنح وجماهير استهلاكية لا يتساوى وجودها مع عدمها في ظل سعي العالم للتخفيف من الحمولات الاستهلاكية الزائدة على المشهد البشري.