تعددت صور الإدمان التي نتجت عن التقنيات المستجدة وأسلوب الحياة الحديث الذي تأثر كثيرا بثورة الاتصالات والمحتوى والمنفلتة من القيود والحدود فانتشار هذه الصور من الإدمان بات يهدد الركائز الأساسية للمجتمعات البشرية، بل إن بعض الأبحاث وجدت في هذه الظواهر تهديدا وجوديا للجنس البشري على المدى البعيد، ومن هذه الآفات “إدمان المواد الإباحية” فقد خلصت العديد من الدراسات والأبحاث إلى أنها ظاهرة ينبغي أن تصنف كصورة من صور الإدمان والاضطراب العقلي، وانتهت دراسات كثيرة معززة بأجهزة التصوير الطبقي الحديثة إلى أن الإكثار من مشاهدة المواد الإباحية يظهر نشاطا و تأثيرا ً ملحوظا في الدماغ يشابه -إلى حد بعيد- تأثير إدمان الكحول والمخدرات.
لقد اصبحت هذه المواد نظرا لتعدد صورها وتقنيات انتاجها وتوصيلها في متناول الصغير والكبير والغني والفقير والذكر والأنثى، ولم تسلم منه المدن الكبرى ولا القرى النائية، وأضحت آثارها الصحية والاجتماعية والاقتصادية مقلقة للمجتمعات الليبرالية قبل المجتمعات المحافظة، بما في ذلك تلك التي كانت تتقبل هذه الممارسات وتعتبرها ثقافة وصناعة وحرية فردية .
لقد نبه عالم النفس الأميركي البروفسور فيليب زمباردو في محاضرته ضمن مؤتمرات “تيد” بعنوان “فناء الرجال” والتي حظيت بشهرة واسعة الى فشل الذكور الكارثي والمتزايد في التواصل الاجتماعي الطبيعي، وأرجع هذا الفناء الذكوري إلى ظاهرتين من نتاج الحداثة هما إدمان الإباحية وإدمان ألعاب الكمبيوتر واللذين يؤديان إلى تشويش الأولويات على نطاق واسع. وقد خص الذكور بهذا المآل لما بينته الإحصاءات من أن إقبال الذكور على هذه المواد يفوق اقبال الاناث بست مرات على الأقل، كما بينت الأرقام بأن نسبة العجز الجنسي لدى الشباب بين سن 15 و 30 سنة تبلغ ما بين 14 و 28 % وهي في تزايد مستمر.
يقف خلف هذه الظاهرة مصالح مالية وعوائد بمئات المليارات من الدولارات سنويا حول العالم حيث تقول الأرقام أن 30 % من محتوى الانترنت هو تحديداً من هذا النوع بحسب التصنيف الأميركي للمحتوى، وأن 20 % من كل عملية بحث على الشبكة تكون بقصد الوصول إلى هذه القبائح، وأنه من بين كل اربعة افلام تنتج في الولايات المتحدة هناك ثلاثة افلام اباحية.
هذه الإحصائيات الصادمة وكثير غيرها لا تستثني مجتمعا أو ثقافة، ما جعل مواقع متخصصة بمراقبة الشبكة العالمية تخلص إلى أن حماية مستخدمي الانترنت من هذه المواد ربما لم تعد ممكنة.
هذا النوع من المحتوى له ارتباط بنسب الطلاق المرتفعة والعزوف عن الزواج، وبقلة الإنتاج، وضعف التحصيل العلمي، فهي آفة من الآفات، بات من الضروري أن تتنبه لمخاطرها السياسات التربوية، والصحية، والدينية، والإعلامية،كما أن هناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق مزودي خدمات الإنترنت في أن يقدموا توجيهات واضحة للمشتركين حول كيفية الحد من هذا المحتوى، والعمل على تطوير الإمكانيات للحماية من هذه الآفة، فالإنفاق هنا يظل من دراهم الوقاية قياسا إلى كلفة غير محدودة للعلاج.
الغد