«يا سلام»، «هذا الكلام الصحيح»، «رؤية ثاقبة»، «حنكة وحكمة»، «عبقرية في التفكير»، «تحليق في التحقيق»، «ذكاء نادر»، «كنا بحاجة الى هذا التوجيه»، «يا الله كم نحن بحاجة إلى أمثالك»، لله درّك من أين أتيت بالبلاغة كلها».. وغيرها من عبارات النفاق هي التي خرب بيتنا وأوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه.
أتابع في كثير من الأحيان ما يكتب عن أن منجز أو لقاء روتيني يقوم به احد المسؤولين، فأرى التركيز على مديح الشخص من اجل السباحة مع التيار أو للقفز على أول قارب، أكثر بكثير من التركيز على فحوى اللقاء الذي حضر لأجله الشخص، وأين تقف مصلحة الوطن وكم سيخدم هذا القرار أو هذا اللقاء المصلحة العامة. لذا نرى خبراً أو مقالاً يسهب في وصف رموش عينيه وخطّي حاجبيه وحلاقة ذقنه ورائحة عطره وكيف ابتسم، ولمن ابتسم، ومتى حك شعره، أو نزّل «مغّيط جراباته» وماذا يقصد من تنزيل «مغّيط جراباته».. ما أراه من مبالغة في المديح والغزل، صار يضر بشكلنا كدولة، ويثير اشمئزاز المسؤول نفسه.. حتى صرت أتخيل أحدهم يقول: «ولّ عليكو والله مانا هيك.. ول كنت هيك.. ولا عمري رح أصير هيك»!.
في اليومين الأخيرين، قرأت أكثر من عشر مقالات كلها تصب بنفس الفكرة، محاولات الرسم بألوان النفاق البائس لرسم صورة مختلفة للمسؤول، الغريب أنه حتى بعالم الفن المبالغة في جمالية كل عضو من الجسم، تنتج عملاً مشوّهاً غير جميل.. لكن الشباب من المتحمّسين الى الكراسي يغرقون في التزوير حتى تصبح صورة تجميعية لا تمت للواقع بصلة..
طيب غالباً ما أسال نفسي، هل هناك من يقوم بتهديد هؤلاء بسوط من عذاب اذا لم يقوموا بالكتابة والمبالغة في المديح؛ بمعنى سوف تقطع رؤوسكم على الملأ إن لم تكتبوا، أم أنها مسألة تطوعية منهم لمسح الجوخ والتقرّب بأي طريقة والوصول الى مقاعد الصف الأول أول الصف الثاني حتى تتلامس «الأكتاف».. بالتأكيد هي مسألة تطوعية ذاتية يحرك أجراسها جين العبودية في دواخلهم فتراهم يمجّدون الأشخاص ويحاولون الصعود على جثة الوطن، المهم الارتفاع قليلاً ولو على صدر ميّت..
بالمناسبة حتى طريقة التزّلف المكشوف صار وسيلة قديمة وبائسة وبائدة لا يستخدمها الأذكياء البتّة.
غطيني يا كرمة العلي
الراي