مثلما كان متوقعاً بالتمام والكمال, رشحت القيادات الاجتماعية الشعبية التي تتكون من وجهاء القبائل والمناطق, الذين يعدون نظرياً أصحاب أعلى سلطة تنفيذية في ليبيا, سيف الاسلام إبن معمرالقذافي ليصبح منسقا عاما لها، وهو منصب يتمتع بصلاحيات الاشراف على البرلمان والحكومة، بعدما طالب والده بايجاد منصب رسمي له. والواضح أن هذا القرار يعتبر الخطوة الاخيرة التي تمهد له لخلافة والده بعد أن اصبح الشخصية الأكثر تميزاً في الحياة الليبية العامة, في حين يرى بعض الناشطين الليبيين أن القيادة لا تورث, وأن القائد ليس لديه وظيفة محددة ورسمية فهو يؤدي دوره ويختفي.
ويبدو مثيراً للسخرية المرة أن يطالب القذافي, بإيجاد منصب رسمي لنجله سيف الاسلام, حتى يتمكن من تنفيد برنامجة الاصلاحي في ليبيا, الذي يقال إنه يقوده منذ سنوات, ويبدو مثيراً للدهشة أنه مطلوب منا أن نصدق أن القذافي يتوسل وظيفة لابنه معدداً صفاته الفذة وقائلاً إنه رجل مخلص وزاهد ويحب ليبيا، ولكنه يواجه مشكلة كونه لا يشغل منصباً في الدولة الليبية, وهو ما يربك عمله لصالح الوطن والثورة العالمية, علماً بان الفتى البالغ من العمر 37 عاماً يقوم بمفاوضة العالم نيابة عن جماهيرية أبيه, ساعياً لحل المشكلات الناجمة عن أفكار القائد وتعليماته, ابتداءً بجريمة لوكربي والطائرة الفرنسية, وصولاً إلى مهزلة الممرضات البلغاريات, اللواتي اتهمن بمحاولة نقل فيروس الايدز ليتفشى بين الليبيين, وما إلى ذلك من معضلات نبتت شيطانياً, جراء ثورجية العقيد التي حلمت بالسيطرة على العالم, فتبنت كل الثورجيين الحمر والصفر والسود والذين من دون لون, على امتداد قارات العالم.
سيف الاسلام الذي لاندري متى سيتخلى العقيد عنه, بعد تخليه عن كل قناعاته السابقة, ابتداءً بالوحدة العربية, إلى النظرية الخضراء التي صرف الملايين من اموال الشعب الليبي لاشاعتها, ومحاولات أن يتبناها أحد, هو واحد من أبناء العقيد الذين تتوزع اهتماماتهم من حل المشكلات العالمية, إلى القانون على يد وفكر الجهبوذة ابنته, التي لاتترك قضية قانونية عويصة إلا وتدلي فيها برأيها, إلى الفتى الذي يركض وراء كرة القدم في ملاعب العالم باستثناء الملاعب الليبية, إلى الولد الذي يستقوي على خدمه وأفراد حاشيته المرافقين له في نزهاته السويسرية والفرنسية, والذي يتسبب بفضيحة لوطنه أينما حل وارتحل, وهم مجموعة تمثل الوجه الحقيقي لنظام العقيد الليبي الذي استفرد بحكم البلاد والعباد, بعد أن بطش بكل رفاقه في حماقة الانقلاب على حكم كان الليبيون يرتضونه عن قناعات وطنية ودينية, وبما يحفظ الاستقرار والأمن والأمان.
أنجال العقيد الليبي ليسوا استثناءً بين أبناء معظم القادة العرب, الذين يبدأ إعدادهم للقيادة قبل فطامهم, ويبدأ الترويج لعبقريتهم لحظة دخولهم الروضة , ويبدأ التغني بانجازاتهم البطولية قبل تخرجهم من الثانوية بتفوق يذهل مدرسيهم, وتتحول هواياتهم إلى مقررات رسمية على كل مفاصل الدولة الاعتناء بتفاصيلها وتعميمها لتصبح سمات يعتز بها الوطن, وهم عسكريون يحملون أعلى الرتب والنياشين حتى لو يعرفوا عن الجندية غير صور الصحف والاستعراضات, وليس بعيداً عن الذاكرة أن قصي صدام حسين كان القائد العسكري لمنطقة بغداد عام 2003 متجاوزاً كل الخبرات العسكرية لجنرالات الجيش العراقي, واستطاع بمهارة قيادة ذلك الجيش إلى هزيمة مرة ومذلة بكل المقاييس.
أكثر ما هو مضحك – ولكنه ضحك كالبكاء – أن العقيد الليبي يطلب لسيف الاسلام وظيفة, مع أن المعروف أن نظرة من طرف عينه تعني أمراً لايمكن لمواطن ليبي التفكير في رفض, أو حتى مناقشته, وهذا ما ثبت بالفعل بعد تسمية سيف الاسلام منسقاً عاماً, وهذه هي ديمقراطية الجماهيرية المسجل أمر اختراعها حصراً بالاخ العقيد.