الأشقاء في قطر: ما يمنعه كبرياؤهم من قوله سنقوله عنهم
فتح رضوان
04-07-2019 02:57 AM
كنا في الدوحة منذ أيام خلت، أنا ومجموعة من الشباب، لم يدعنا أحد بل ذهبنا على حساب جيوبنا ولشؤون خاصة بنا، ذهبنا وبصحبتنا صديق أتى من لندن اجتمعنا به في الطائرة في مطار عمان وطرنا ساعتين ونصف لنحط الرحال في الدوحة.
من الوهلة الأولى لمسنا أن هنا اختلاف بدأ بختم الجوازات فصاحبنا الذي أتى بجوازه الإنجليزي أخطأ بإجابة سؤال موظف الداخلية عند ختم الجواز بأن ليس له في الدوحة عنوان - لم ينفعل الموظف ولم يستهجن بل عرض المساعدة وأبدى كل تفهم وحللنا الإشكال وانطلقنا إلى المدينة.
نحن في الدوحة، نجوب الشوارع إلى حيث الفندق الذي حجزنا فيه، كل شيء يمضي بهدوء ويتلقفك الهواء البارد في مدخل كل عمارة ليريحك من قسوة الشمس.
نحن هنا على أعتاب إجازة الصيف والكل يحزم أمتعته ليستريح قليلا من كد العام ليعود من جديد بعد عطلة الصيف.
سيتم استئناف النشاط بعد شهرين من الان ومع كل حرارة الصيف الذي بدأ للتو فهناك شيء جديد.
هناك بلد تسير بخطى تلمسها في الشوارع وفي الساحات، تلمسها في ملاعب كرة القدم التي استُكمل بعضها وبعضها في مراحله الأخيرة، تلمسها في شبكة المترو التي ابتدأت العمل في مرحلتها الأولى.
الدوحة تمضي بكبرياء ولا تنظر إلى الوراء ولكن في القلب غصة حصار.
سنبسط المسألة لمن لا يعرف الجغرافيا، فقطر جزيرة في خليج العرب ومنفذها البري الوحيد هو منفذ سلوى في الريع الخالي حيث أن أهمية هذا المنفذ أنه يصل قطر برا ليس فقط بجزيرة العرب بل يصلها برا بالشام والعراق وحتى مصر في معظم الطريق باستثناء خليج العقبة فتسهل حركة الناس والبضائع.
ربما كنت تجد في قطر قبل الحصار سكان جزيرة العرب أكثر من غيرهم وأما المغتربون من الأردن والشام وحتى من مصر فحركتهم كانت سهلة ورخيصة حيث يستطيع المغترب من كل بلاد الشام أن يذهب ويجيء بسيارته وذلك كذلك بالنسبة للبضائع.
لم يقتصر أثر الحصار على البشر بل ضاعت في ثناياه حتى الإبل في صحراء الربع الخالي فتقطعت بها السبيل حينما أُغلق منفذ سلوى وماتت أعداد كبيرة منها في الصحراء نتيجة حصار الإشقاء.
في القلب غصة الحصار لا يذكرها لك الشقيق في قطر صراحة ولكن تلمسها في ثنايا الكلام.
في ظن الأشقاء أنهم يُعاقبون قطر وهم يُعاقبون أنفسهم قبل كل العرب، وإذا كان هذا الحصار يحقق مكاسب بعض تجار أمريكا والعرب فهو يهدم الجزء الأكبر من مصالحهم.
في القلب غصة فالمسألة بائنة بينونة كبرى، فالدولة العميقة في أمريكا تدرك أن لا مبرر لحصار قطر ولكن في الخلفية فازت قطر بتنظيم كأس العالم في العام ٢٠٢٢ وخسرت أمامها أمريكا فلا بأس أمريكيا بلي ذراع قطر وجعل النجاح صعبا ولا بأس بأن يتفرق الخليج عشية كأس العالم فتكون شركات أمريكا هي المستفيد الأكبر وتفقد الدولة في قطر الثقة في محيطها، فهنا في قطر قصة نجاح في عين الحاسدين ينبغي الحد منها وينبغي حصارها.
فالمشهد والحال كذلك أن أشقاءنا في الخليج منقسمون بين من يحارب في اليمن ويدفع ثمن سلاحه لأمريكا وبين من يسعى لنجاح حقيقي وتريد أمريكا أن تقلم أظافره بحصاره من قبل أشقائه وفي الحالين فإن أمريكا الواقعية جاهزة لاتفاق تبيع فيه الطرفين لإيران مقابل ضمان مصالحها ولكن في ذات الوقت فإن أمريكا الواقعية لن ترى مشكلة في اتحاد العرب بطريقة تضمن مصالحها بل ربما تدعم ذلك لمواجهة الصين وفي الأحوال كلها فلا غنى لأحد عن أمريكا ومعاناة كل طرف لا تعني لأمريكا شيئا.
أنا وإن اختلف معي من اختلف أعتقد أن فوائد حلف العرب مع أمريكا خير من حلفهم من غيرها فأمريكا شئنا أم أبينا دولة عظيمة وتستضيف ملايين المسلمين ولكن مشكلتنا في فن التصرف معها وفهم فلسفتها والأسس التي قامت عليها هذه الإمبراطورية فهؤلاء كاوبوي لا يؤمنون إلا بالقوة والمصلحة المباشرة ولا يتعبون أنفسهم بالتفكير بعيدا وخصوصا مع أمة حالها كحالنا بكل أسف.
أمريكا دولة واقعية ويعنيها فقط مخاطبة الأقوياء وإن ضعُف أقرب حلفائها فستتركه لمصيره وتمضي فمعاركها كثيرة واللوبيات التي تعمل فيها مستغلة خفة الحركة وسهولة العمل كثيرة جدا جدا.
فيا أيها العرب لو سقطت كل أنظمتكم وحل محلها أنظمة أخرى فسوف تتعامل معها أمريكا، وإذا أردتم دليلا فها هي أمريكا ترسل كل الإشارات لإيران من أجل اتفاق جديد يحقق مصالح أمريكا حتى لو دفنت في التراب كل مصالح العرب وفنيت دولهم ولا يغرنكم الإعلام الكذوب.
أمريكا تريد أن تتفرغ لمواجهة الصين ولا يعنيها من يحكم الشرق الأوسط وجُل اهتمامها على أن من يريد أن يحكم الشرق الأوسط عليه التصالح مع مصالح أمريكا.
عودا على بدء وبالبناء على ما سبق فلو اتحد العرب وحققوا مصالحهم ومصالح أمريكا فستكون الدولة العميقة في أمريكا من أشد المرحبين ولو أسقطت إيران كل الأنظمة العربية شرط التحالف مع أمريكا فستغض الدولة العميقة في أمريكا الطرف عن ذلك.
ليس ما سبق مستغربا فهذه حال الدنيا فالبقرة التي تقع تكثر سكاكينها.
في الخلاصة أيها العرب، فلا يعني أمريكا إن أضعفتم قطر أو وقفتم معها، ولكن بالنسبة لكم ولوجودكم واحترامكم أمام أمريكا والعالم فوقوفكم مع قطر ومع نجاحات العرب أينما كانت يعني استبقاء قوتكم أمام أمريكا والعالم وأما اتباع الغرور وزهو القوة الخادع فسيُحطم تابعه.
إن نجاح قطر هو نجاح الأردن وسوريا والعراق والسعودية والبحرين ومصر والإمارات والكويت وكل أقطار العرب وهو نجاح ستُقر به أمريكا وستبني عليه قبل غيرها وأما إن حدث العكس فلا بأس بالنسبة لأمريكا وغيرها ممن يرون في المنطقة مصالحهم، فهؤلاء جميعا تهمهم فقط وفقط مصالحهم ومع أي كائن كانت.