التقاعد المدني وتبعات قرار مجلس الوزراء
فيصل تايه
04-07-2019 12:24 AM
أثار قرار مجلس الوزراء المتعلق بنظام التقاعد المدني الكثير من التساؤلات ، حيث من المتوقع أن يكون هناك إقبال كبير من الموظفين العاملين في الجهاز الحكومي ممن ينطبق عليهم القرار وممن هم على نظام التقاعد المدني للاستفادة من مزايا القرار واغراءاته والمتعلق بهذا الشأن ، حيث انه لا يمكن تحديد عدد المستفيدين من هذا القرار قبل الاول من شهر أيلول المقبل ، نظرًا لأن الشريحة الأكبر "اختياري" ، كما سيتم دراسة إحالة الموظفين والخاضغين لنظام الضمان الاجتماعي ممن بلغت خدمتهم ٢٥ سنة فأكثر للتقاعد من خلال دراسة خاصة يجريها مجلس الخدمة المدنية ويرفع توصياته إلى مجلس الوزراء بهذا الشأن ، كما وأن للوزير المعني التنسيب بالاحتفاظ بنسبة محددة من جميع شرائح الموظفين التي شملها القرار شريطة موافقة مجلس الوزراء على التنسيب المبرر ، على أن لا تستمر خدمات هذه الفئة المحتفظ بها لمدة تزيد عن ثلاث سنوات بحد أقصى أو بلوغهم الستين سنة أيهما أسبق ، وقد بيّن القرار أن تنسيب الوزير للاحتفاظ بخدمات هؤلاء الموظفين ستكون لمدراء المدارس الحكومية "الذكور " وأطباء الاختصاص وبخلاف ذلك يصبح من الصعب التنسيب والموافقة عليه.
إن أغلب الوزارات بدأت بإعداد كشوفات موظفيها الذين أكملوا بموجب القرار ثلاثين عاما من الخدمة لرفعها قبل تاريخ ١٥ / ٧ ، وكذلك بدأت تستقبل طلبات الموظفين الذين سيستفيدون من مزايا القرار ممن بلغت خدماتهم فوق ال ٢٥ سنة ، ولا شك ان اغلب الوزارات وخاصة وزارتي التربية والصحة مضت في الاعداد لهذا القرار الذي فاجأها ، في حين لم تكن قد اتخذت في برامجها وخططها السابقة ولم تضع في اعتبارها المستقبلي تأهيل صف ثانٍ من القيادات لسد الشواغر بسبب الاحالات على التقاعد وبهذا الكم ، ما سيتسبب في نقص في القيادات الميدانية وخاصة في مختلف المواقع التربوية وكذلك في الهيئتين الإدارية والتدريسية في المدارس لدرجة أن بعض المدارس قد ينطلق العام الدراسي بها دون أن يكون لها مدير ، أو مساعدين أو حتى معلمين لبعض التخصصات ، مما سيضطر الى تكليفات للمعلمين للقيام بالمهام الإدارية لسد النقص والإعداد والتجهيز ، إضافة إلى أعمالهم وقد يسبب ذلك إرباكا مع مطلع عام دراسي جديد !! وكذلك وزارة الصحة التي ستعاني من نقص حاد في كوادرها المختصة والمدربة وغيرها من الوزارات وبنفس المستوى والمعاناه .
لم ولن نعارض الإحالة إلى التقاعد بموجب هذا القرار ، بل بالعكس فإن به الفائدة للكثيرين من موظفي الدوله على الصعيد الشخصي ، لكني أخشى من انعكاسات القرار التي قد تشكل تخبطاً إدارياً كبيراً ، وأنه يخلط ما بين تقاعد القيادات ومن هم في موقع المسؤولية وتقاعد المعلمين والإداريين والموظفين العاديين ، والذي سيشكل الفراغ المذكور في كثير من المهن والوظائف في كافة أجهزة الدولة ، وقد نشاهد الكثير من الاردنيين الذين لم تتجاوز اعمارهم الاربعينات والخمسينات وما زال لديهم القدرة على العطاء وقد تمت إحالتهم إلى التقاعد وأصبحت الدولة تنفق عليهم راتباً تقاعدياً مجزياً من ميزانية الدولة دون أن تستفيد منهم!!
كما وأخشى أن يأخذ هذا القرار صفة التطفيش للكثير من الكفاءات العاملة في أجهزة الدولة ، حيث سعت الحكومة ووفق القرار لتقديم مكافآت مجزية لمن يتقاعد بهدف التشجيع على التقاعد وترك المجال للقيادات المتوسطة والشباب العاطلين عن العمل لإيجاد فرص لتحل محلها،
الا ان القيادات الوسطى والميدانية هي التي ستسارع إلى التقاعد بينما ستبقى القيادات العليا مكانها ، و ستعاني الكثير جراء ذلك النقص!!
ان الذي سيحصل أن الكفاءات والخبرات المتقاعدة والتي ما زال باستطاعتها العمل ستتجه الى القطاع الخاص لان في ذلك فرصة لها لتحسين ظروفها الاقتصادية ، حيث أن القطاع الخاص سيبحث عن الكفاءات والخبرات والذي سيعتبرها فرصة له للعمل والتطوير وسيتحول بذلك عن تشغيل عنصر الشباب مما ينعكس سلباً باتجاه المزيد من البطاله المقنعه وتسكين العمل لهذه الفئة التي ستواجه المزيد من التحديات وتبقى تحت رحمة فرص العمل المقننة.
سنبقى نتخيل أن الهدف من هذا القرار اتاحة الفرصة للشباب وضخ دماء جديدة وشابة في العمل العام بهدف ترشيقه وتجويده ، إلا أنني أخشى مرات ومرات على شبابنا الذين لن يستطيعوا خوض روح المنافسة مع الخبراء المتقاعدين الذين سيزاحموهم في مختلف جوانب العمل خارج المؤسسات الحكومية ، هذه المؤسسات التي لن تستوعب من شبابنا الا الاعداد المحددة ، ولا يزال هذا القرار يلقى صدى واسعاً في كافة مؤسسات الدولة وخاصة في الميدان التربوي وقطاع الصحة كما سبق واشرت !!.
إن المطلوب من الحكومة أن تدرس ذلك القرار واستخدام التوقيت الزماني المناسب لتطبيقه على دفعات ، كذلك لابد من التفكير الجدي في كيفية الاستفادة من الأعداد الكثيرة من المتقاعدين الذين نحن في أمس الحاجة لطاقاتهم وكفاءاتهم بدلاً من أن نتركهم نهباً للأمراض والفراغ!!
والله المستعان