لا تحتاج الدولة لمن یحمیھا، غیر أذرعھا ومؤسساتھا العسكریة والأمنیة التي تمارس صلاحیاتھا وفق القانون؛ تحمل السلاح وتستخدمھ وفق متطلبات أمن الوطن وبما ینص علیھ الدستور والقوانین.
المواطنون أیضا لا یحتاجون لمن یؤمن لھم الحمایة والسلامة إلا سلاح الدولة المحصن بقوة القانون.
لم یعد الأردن كما كان في عقود سابقة. الدولة تبسط سیطرتھا على جمیع المناطق، تمارس مھماتھا الأمنیة بالاعتماد على أجھزة محترفة، تنال من القاتل قبل أن یجف دم الضحیة، وتضبط اللصوص قبل أن یحزموا حقائبھم.
لم یعد أمن حدود الوطن واستقراره یعتمدان على الفزعة الشعبیة. في السنوات القلیلة الماضیة اختبرنا بنجاح باھر قدراتنا على حمایة حدودنا وأمننا الداخلي في وجھ طوفان الإرھاب الذي عم المنطقة، وكسر الحدود في أكثر من بلد وروع الآمنین في بیوتھم.
مبكرا تنبھ الأردن لمنطق الدولة في فرض الأمن، ومع سنوات التأسیس الأولى تشكلت قوات حرس حدود ومفارز أمنیة لملاحقة الخارجین عن القانون، أو من كانوا یأخذون القانون بأیدیھم، بھدف توحید المرجعیات وحصرھا بید السلطة الرسمیة المفوضة بممارسة صلاحیاتھا وفق القانون.
صحیح أن القوى الاجتماعیة من عشائر وقیادات محلیة حافظت على دورھا في حفظ السلم الأھلي، وحقن الدماء، لكن ذلك لم یكن على حساب دولة القانون، بل في خدمتھا. ورغم الانتشار الواسع للسلاح في أیدي الناس، إلا أن احدا لم یعد یتجرأ على تجاوز سلطة القانون في الأمور المتعلقة بالأمن العام. وفي الحالات التي یحصل فیھا مثل ھذه التجاوزات، تتدخل الأجھزة المختصة لضبط المتورطین، وفرض سیادة القانون.
حیازة السلاح وحملھ ینظمھ القانون في الأردن، وثمة حاجة لمراجعة جذریة تجري في الوقت الحالي، لتمكین سلطة الدولة بما ینسجم مع المتغیرات التي شھدناھا في السنوات الأخیرة، ومواكبة التطور المستمر في قدرة الأجھزة الأمنیة، وضمان اقتناء الأسلحة بشكل قانوني وفي حدود المصلحة الشخصیة وبما لا یتعارض أو یتجاوز سلطة الدولة أو ینتقص من صلاحیاتھا.
لقد جرب الأردن فوضى السلاح والادعاء بحملھ واستخدامھ للدفاع عن حیاة الناس، وكانت النتیجة مأساویة، تجاوزناھا وتعلمنا منھا دروسا قاسیة. وما شھدتھ دول عربیة مجاورة من انفلات أمني وولادة ملیشیات مسلحة تتولى حمایة البلدات والأحیاء على طریقتھا الخاصة، یعد مثالا على ما یمكن أن تؤول إلیھ الأمور إذا ما تھاونت الدولة في ممارسة حقھا الحصري في استخدام السلاح لفرض القانون وتوفیر الحمایة الواجبة لمواطنیھا.
واستخدام السلاح على نطاق واسع لا یرتبط أبدا بمصفوفة الحقوق أو مستوى تطور الدول، فثمة مجتمعات أكثر تطورا ودیمقراطیة منا تعاني الأمرین من انتشار السلاح ، كالولایات المتحدة الأمیركیة، التي لا یمر شھر دون أن تسجل جریمة قتل جماعي بالأسلحة الناریة.
في السنوات الأخیرة شھدنا ظاھرة خطیرة؛ ھنا وفي دول الجوار، تمثلت بتحالف مھربي السلاح والمخدرات مع الإرھابیین. وقد واجھ الأردن تحدیا كبیرا على ھذا الصعید تغلب علیھ، لكننا ما نزال نعاني من الخطر، ویتجلى بشكل ملموس في المواجھات الیومیة لقوى الأمن مع تجار المخدرات الذین تحولوا فعلیا لعصابات مسلحة لا تتردد في إطلاق النار على رجال الأمن.
ھذه الظاھرة المقلقة تستدعي سیاسات صارمة في مواجھة انتشار الأسلحة ومحاصرة مھربیھا، وقبل ذلك التزام تام بسلطة الدولة في فرض القانون.
الغد