وفقاً لأحدث البيانات العالمية، فإنَّ الاقتصاد الرقمي وما يرتبط به من قطاعات متعددة في مجال الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والحوسبة السحابية، والتقنيات الرقمية ذات الثلاثة أبعاد، واستخدامات الآلة "الربوت"، يساهم اليوم مع القطاعات الأخرى المرتبطة به بنحو 22% من الناتج المحلي العالمي، وتقبع الولايات المتحدة الأمريكية على رأس مجموعة الدول في مجال الاقتصاد الرقمي بناتج يصل إلى نحو 11 تريليون دولار، ما نسبته 58% من الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وتأتي الصين في المركز الثاني عالمياً، باقتصاد رقمي يشكِّل نحو ثلث حجم الاقتصاد الصيني، وبقيمة إجمالية تصل إلى نحو 3.5 تريليون دولار. وتحتل كلٌّ من اليابان، وألمانيا، وبريطانيا، المراكز الثلاثة التالية عالمياً.
وتشير الإحصاءات العالمية إلى أنَّ حجم الاقتصاد الرقمي في منطقة الشرق الأوسط وصل مع نهاية العام 2018 إلى 30 مليار دولار، بيد أنه ينمو بوتيرة متسارعة تصل إلى نحو 30% سنوياً.
ويعدُّ الحجم الكبير لمستخدمي الإنترنت في العالم من أهم مقومات انتشار الاقتصاد الرقمي ، حيث يبلغ حجم هؤلاء المستخدمين نحو 3.9 مليارات نسمة، أي ما يزيد على نصف سكان الأرض، ويضاف إلى ذلك ارتفاع الأجهزة المرتبطة بعمليات الاقتصاد الرقمي من 9 مليارات جهاز إلى نحو 50 مليار جهاز بحلول العام 2020، ما يعني أنَّ الاقتصاد الرقمي قد يتحوَّل إلى المحرِّك الأساس للاقتصاد العالمي، بنموٍّ مطرد، وسيطرة لن تقل عن 50% من اقتصاد العالم قريباً.
وعلى الجانب الآخر، فإنَّ الدراسات الخاصة بالموارد البشرية تشير إلى أنَّ ما يقرب من 75 مليون وظيفة ستنتهي لصالح الآلة مع حلول العام 2025، في حين أنَّ 133 مليون وظيفة جديدة سيتم استحداثها في مجالات الاقتصاد الرقمي، وخاصة فيما يتعلق بعمل الآلة، والعمل الإلكتروني. في إطار ذلك، فإنَّ انعقاد منتدى المشرق التقني في الأردن، بالتعاون ما بين وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، والبنك الدولي، إنما يأتي في الوقت المناسب تماماً.
بل إنَّ الأردن من أكثر دول المنطقة تأهيلاً للتعامل مع معطيات ومتطلبات الاقتصاد الرقمي، لتوافر كافة مقومات ومتطلبات نجاح عمل ذلك الاقتصاد من بنية تحتية وفوقية.
فشبكات الاتصالات الأردنية، ومستوى التقنيات في الدولة يعدُّ من أكثر البُنى التحتية تطوُّراً في المنطقة، بل وفي
العديد من دول العالم، ومستوى البنية الفوقية، وخاصة في مجال القوى البشرية، يشير إلى توافر نوعية مميزة من العنصر البشري القادر على اختراق متطلبات التجارة العالمية الإلكترونية، بأشكالها المتعددة، وخاصة في مجال الابتكار والتطوير.
وفي اعقتادي، أن الملتقى فرصة للبدء بشكل جدي باستغلال الطاقات البشرية الأردنية والإمكانات المتاحة لتحويل الأردن إلى واحة بحث وتطوير وابتكار في مجالات الاقتصاد الرقمي، والتطبيقات الرقمية، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وغيرها من متطلبات تطوير عمل الاقتصاد الرقمي في المنطقة.
قد يحتاج الأمر إلى اعتبار الأردن ككل منطقة تنموية اقتصادية خاصة للمبتكرين والمطورين والرياديين في مجالات إنتاج وتطوير وتصدير التطبيقات الذكية، والمنتجات التقنية المرتبطة بإنترنت الأشياء، والربوت، وتكنولوجيا الأبعاد الثلاثة.
وهو أمر مطلوب اليوم وبشكل عاجل عبر الوزارة الجديدة المهتمة بالاقتصاد الرقمي، وبمبادرة منها، ليكون الأردن الحاضن الأول للكفاءات الريادية، والمستثمرين المهتمين، والمشاريع الريادية، ورؤوس الأموال المغامرة في مجال الاقتصاد الرقمي، مع الاهتمام بتسبيط الإجراءات، وتحسين بيئة العمل، ومتطلبات الإنتاج الرقمي، أكثر من الاهتمام فقط بالإعفاءات المالية أو الضريبية. أمّا في الأجل الطويل فلا بدَّ أن نبدأ اليوم بتطوير المناهج الدراسية، وتأهيل المعلمين، للخروج بجيل رقمي، متميِّز، وقادر على الابتكار، والإبداع والريادة.
الأردن سجل اختراقات في مجال المشاريع الريادية في المنطقة، وحصل على المركز الأول في عدد المشاريع الريادية الرقمية، بيد أن ذلك بحاجة ماسة إلى الدعم المستمر، وإلى الرعاية والاحتضان، والتطويرِ، والأمل أن ينطلق عمل مشترك، بين وزارة الاقتصاد الرقمي والريادة، ووزارة التربية والتعليم والتعليم العالي، وزارة العمل، وزارة الشباب، وزارة التخطيط، وهيئة الاستثمار، لتشكيل خلية تطوير دور الأردن كحاضنة ريادية للاقتصاد الرقمي في المنطقة ككل.
مع التركيز على عنصري تبسيط الإجراءات، ودعم استيعاب العمالة الأردنية، وتحسين مستويات التعليم لمواءمة متطلبات الاقتصاد الرقمي اليوم ومستقبلاً.
khwazani@gmail.com