الحاجة إلى تطوير القطاع الحكومي من جسم المؤسسات و ليس من خارجها
د. اسماعيل ملحم
03-07-2019 12:12 PM
تعرف (المهارة القيادية ) بأنها قدرة القائد على أحداث المواءمة بين الفريق و البيئة الخارجية و الداخلية ، و (المدير القائد ) هو من يعمل على تحقيق النتائج المتوقعة منه بحكم منصبه.
و بنظرة تقييمية إلى مؤسسات القطاع العام عبر الخمسة و العشرين سنة الماضية نجد أن غالبيتها تقوم بواجباتها مشكورة بشكل مقبول ، لكن دون أن تصل إلى حالة الرضى من متلقي الخدمة ، حيث يطمح المواطن دائما إلى الأفضل و يقارن بين ما يقدم له و ما يراه في بلدان آخرى ، خاصة في مجال الخدمات في المياه و الصرف الصحي و التعليم و الصحة و شبكات الطرق و غيرها ، بل إنه حين يقارن مع انجازات القطاع الخاص في بلده يصاب بصدمة ، رغم توافر الموارد البشرية و المادية في كلا القطاعين و لكن طرق الإدارة و التعليمات الناظمة هي من تختلف .
و من هنا تبرز الحاجة إلى وجود إدارات قيادية نوعية تحسن إدارة الموارد و ذات رؤية واضحة هدفها صالح الوطن و الارتقاء بالعمل نحو الافضل و زيادة الإنتاج ، و لعلنا في تدقيق وجوه الإدارات العليا التي تعاقبت على كثير من مؤسسات القطاع العام عبر السنوات الماضية مع كل الاحترام و التقدير لها ، نجد أن عددا منهم قد تم تعيينه من اكاديميي الجامعات أو رجال الاعمال - مع الاحترام الشخصي لهم - مما تسبب في نتائج غير مرضية على صعيد الانتاج و النوعية ، اذ ان افتقارهم للخبرة في القطاع العام و العمل الحكومي جعلهم رهينة لحاشيات ذات مصالح ذهبت بهم الى الشكليات و تناست الجوهر ، فبدل الإنتاج و تقديم الأفضل أصبح التركيز على تنقلات و احالات على التقاعد ، و بدل اشعار المواطن بوصول حقوقه أصبح المواطن إلى حد ما فاقد الثقة بالخطط و المشاريع الموعود بها . و حتى من ملك منهم شخصية مستقلة و فكر ، ذهب إلى تطبيق نظريات اقتصادية أو تربوية أو إدارية متأثرة بالفكر الغربي أو الاشتراكي او غيره لا تناسب واقعنا بتاتا ، فالبيئة و الموارد و الظروف تختلف.
و على الجانب الاخر فأن مؤسسات القطاع العام بها كثير من الخبراء و المتميزين و لا حاجة لجلب إدارات غريبة على جسم مؤسساتها ينقصها الخبرة و قوة التأثير، و يكفينا فخرا ان معظم القيادات الإدارية في بلدنا العزيز ممن نتغنى بانجازاتهم كانوا من رحم القطاع العام و بدأوا موظفين صغارا إلى أن ارتقوا لأعلى المناصب مثل : المرحوم وصفي التل و المرحوم عبد الحميد شرف و مضر بدران و المرحوم ذوقان الهنداوي و غيرهم ، أما من أدار دفة عديد من مؤسسات القطاع العام من خريجي الجامعات الغربية و الشرقية ،فقد أخفق معظمهم في تحقيق الأهداف المطلوبة منه و خاصة في الملف الاقتصادي الذي يثقل كاهلنا ،
، و الدليل ما نلمسه من تراكمات تلك الإخفاقات و تراجع الجودة .
ان المهارات القيادية العامة المتمثلة بالاتصال و التفكير و التحليل و القدرة على اتخاذ القرار اذا ما توفرت عند موظف الدولة يضاف إليها الرصيد الاخلاقي و نظافة اليد تعطي صاحبها القدرة على القيادة و النجاح و الإبداع في مؤسسته . فلديه حصيلة خبرة طويلة و لديه تشخيص لحل مشاكلها و لديه افكار ابداعية للدفع بنجاح مؤسسته و رفد الاقتصاد الوطني بموارد جديدة بشرية و مالية و تقديم الخدمة المثلى ، وحتى من ناحية الكلفة المالية يبقى موظف الدولة أقل كلفة بكثير ممن يتم ربطهم بعقود و برواتب عالية الكلفة من خارج القطاع العام.
وبعد ، فهل لحكومتنا الرشيدة ان تحسن في اختيار القيادات الإدارية الجديدة من رحم مؤسسات الدولة ممن افنى عمره في الخدمة العامة و صقل خبراته بالدورات التدريبية و التثقيفية و التخطيط الاستراتيجي ، و في الاخذ بمعايير الخبرة المؤسسية و القدرة على الإبداع و حل المشاكل و وجود برنامج عمل يحاسب عليه المسؤول، ام نبقي اشغال هذه المواقع الإدارية طموح الساعين إلى المكاسب و حمل الألقاب الرنانة .
حفظ الله الاردن الغالي و رحم من قدم لوطنه بإخلاص من جيل الأوائل ووفق كل من يعمل على تحقيق ازدهاره