العالم يتغير بسرعة والتحديات كثيرة وخاصة بأننا نعيش في عصر الثورة التكنولوجية التي دخلت عالمنا موخراً وبرزت وتطورت بشكل كبير وسريع، فبات البعيد قريباً، وكثر الكلام، وقلّت قيمته، ولم يعد هناك قيمة للكبير أو الصغير. عالم كبير ومعقد يصعب اللحاق به للبعض و للاخر مستحيل. أهم ما فيه وأكثر استخداماً هو مواقع التواصل الافتراضية، التي أبدع في إستغلال هذه المنصات لأحداث أذى في الانسانية المتطرفون الذين بثّوا من خلالها سمومهم السوداء ووصلوا إلى شريحة كبيرة من الناس ومن مختلف الخلفيات وابدعوا في نشر أجنداتهم كخطاب الكراهية الذي يُعّرف بأنه الكلام المقروء أو المسموع الذي يعمل على تغيير نظرة القارىء أو المستمع إلى السلبية من ناحية فرد أو أفراد أو مجموعة معينة. وإزدادت موجة أغتيال الشخصيات، والمنشورات أو التغريدات التي تخطت الخطوط الحمراء وجميعها هدفها الزعزعة والتفرقة وإحداث توتر مجتمعي.
الوهم هو الاعتقاد بأن هذه المنصات وُجدت "للتنفيس" وبأن مستخدم الصفحات له الحرية بالتعبير والكتابة كيفما شاء طالما أنه يكتب على صفحته الخاصة. وهذا الاعتقاد خاطئ مدركين بأن "الحرية" المنفلتة من عقاله مؤذية للاخر القريب والبعيد، وتؤدي عادةً إلى المساءلة القانونية إذا لم يدرك المستخدم لمنصات الفيسبوك أو تويتر أو انستجرام أو تيك توك أو غيرها من المواقع الافتراضية بأن مع الحرية الفردية تأتي المسؤولية، وبأن هناك قانون الجرائم الالكترونية لردع من يتعدى. لذا جاءت مبادرة إجتماعات العقبة، التي دعت إلى الحوار بين الحكومات والمجتمع المدني وقطاع التكنولوجيا وتهدف إلى الحوار للعمل بيد واحدة لحماية مستخدمي الانترنت من الذين يسيئون استخدامها ويلحقون ضرر بالآخرين. وكذلك دعوة تشيرشكرايست Christchurch call.
والحقيقة ما قاله جلالة الملك في الكلمة الرئيسية في سنغافورة في المؤتمر الدولي "مجتمعات متماسكة" قبل أيام بأن "الانترنت ملك مستخدميه" هو إعتراف بحرية الفرد باستخدام التكنولوجيا وبحرية الاختيار مع أهمية أن يدرك الشخص بأن حريته لها ضوابط تحكمها وأصول، بحيث لا يجب أن يتعدى الفرد على دائرة حرية الآخرين. الحرية
المنضبطة هي مبتغى الانسانية وهي التي ترفع المجتمع وتدعمه في هذه المرحلة بالذات التي نطمح فيها جميعنا إلى الهدوء والاستقرار والحفاظ على الوئام المجتمعي الذي نعتز به.
الوعي والتسلح بالمعرفة لخطورة هذه المنصات هو الامر الوحيد الذي يحمينا ويحمي اولادنا من سمومها كي لا نُستغل من قبل من يمرروا أجنداتهم الخاصة من خلالنا، وندعمها دون معرفة وإدراك منا.
*الكاتبة صحافية ومؤلفة كتاب حصن السلام التجربة الاردنية في الحوار بين أتباع الاديان ونموذج العيش المشترك
rulasamain@gmail.com