مقترح إلغاء حبس المدين وتداعيات التعديل
المحامي عمر الحموي
01-07-2019 11:57 PM
بالحديث عن إلغاء حبس المدين وإلقاء نظرة عامة على القانون الحالي وتبعات التعديلات المقترحة على الدائنين فلا بعد من النظر لجميع الجوانب قبل التحيز لطرف على حساب الآخر أو لرأي دون الآخر
ان الإجراء المعمول به حالياً هو بموجب نص المادة 22/أ من قانون التنفيذ الأردني والتي تنص على " يجوز للدائن أن يطلب حبس مدينه إذا لم يسدد الدين أو يعرض تسوية ومقدرته المالية خلال مدة الإخطار على ان لا تقل الدفعة الأولى بموجب التسوية عن (25%) من المبلغ المحكوم به فإذا لم يوافق المحكوم له على هذه التسوية فللرئيس أن يأمر بدعوة الطرفين لسماع أقوالهما ويقوم بالتحقيق مع المدين حول اقتداره على دفع المبلغ وله سماع أقوال الدائن وبيناته على اقتدار المحكوم عليه وإصدار القرار المناسب"، ونصت الفقرة ج من ذات المادة على حبسه مده لا تتجاوز 90 يوم في السنة الواحدة عن الدين الواحد ولا يحول ذلك دون طلب الحبس مرة أخرى بعد انقضاء السنة
إن مبررات التعديل المقترحة تأتي تنفيذاً لنص قد جاء في المعاهدة الدولية التي صادق عليها الأردن في 2006 ونشرت في الجريدة الرسمية ودخلت حيز النفاذ وهي العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجميعة العامة للأمم المتحدة "لا يجوز سجن أي إنسان لمجرد عجزه عن الوفاء بالتزام تعاقدي" ، إضافة إلى تقليل النفقات الإضافية جراء تزايد أعداد المحكومين
بداية يجب أن نحدد أقسام المدينين والذين يصنفون إلى ثلاث فئات، الفئة الأولى هي لمدين لحق به عسراً مالياً ناتج عن الوضع الإقتصادي والركود أو الضرائب المفروضة أو تراجع القدرة الشرائية للمواطنين والكساد في الأسواق والذي يؤثر على التجارة والصناعة وغيرها من القطاعات التي تقوم بالإقتراض من البنوك أو الشراء بالأجل مما ينتج عنها العجز عن السداد وتراكم الديون وهذه الفئة المتعثرة هي بحاجة إلى إعطائها فرصة لتصويب أوضاعهم وتحسينها والإنطلاق من جديد
الفئة الثانية هي فئة تراجعت مستويات معيشتهم وإستعجلوا الإستدانة وترتب عليهم إلتزامات مالية تأخروا في تسديدها ولا يوجد عليهم أية أسبقيات في قضايا عدم السداد وهذه الفئة أتاح لها نص المادة 22/أ من قانون التنفيذ الأردني آنف الذكر فرصة تسوية أوضاعهم وسداد ديونهم
الفئة الثالثة وهو المدين الذين يتعمد الإستدانة بنية عدم السداد والوفاء بالدين والمماطلة وقد يقوم بعضهم بتسجيل أملاكهم بأسماء أشقائهم أو أقاربهم قبل الإقتراض أو إستغلال القوانين المعمول بها حالياً والتي تسمح بالسداد على فترات زمنية طويلة غير محددة بالقانون ممكن أن تصل إلى عشرة سنوات أو تزيد إضافة إلى أن إمتناعهم عن التسديد وكسب مدد في التقاضي تصل إلى خمس سنوات وإطالة التقاضي رغماً عن الدائن وذلك ما بين محاكم البداية والإستئناف والتمييز وما يتخللها من تبليغات وشهود وتأجيل جلسات غير عابئين بالإلتزامات المالية على الدائن وأحقيته بإسترداد أمواله ووقوعه في ضائقة مالية نتيجة لعدم تحصيل أمواله مما يسبب تعثر المدين في مواجهة الغير ليصبح هو مديناً متعثراً
كما يجب أن نميز بين أنواع الدائنين والذي قد يكون تاجر أو فرد لا تقدم له ضمانات كافية لغاية تحصيل أمواله أو مبيعاته الآجلة، أما البنوك ومؤسسات الإقراض وصناديق التمويل فهي من إختيار الدائن ويقدم لها الضمانات التي تتطلبها ويتحمل مسؤولية إختياره وهذه المؤسسات لديها تأمين ضد مخاطر عدم الوفاء وتلتزم بمعايير المحاسبة التي تقتضي وجود مخصص ديون مشكوك في تحصيلها أو ديون معدومة إلا أن إلغاء حبس المدين سيؤدي أيضاً إلى رفع سعر الفائدة والضمانات المطلوبة وأثر هذا يعد سلبياً على الإقتصاد
إن إلغاء حبس المدين بشكل كامل سيكون له أثر إقتصادي وإجتماعي سلبي وسينتقل عبء الدين على الدائن بدلا من المدين وسيعزز مشكلة إستيفاء الحق بالذات نتيجة عجز المدين عن السداد وفي النهاية لا يجوز النظر لظروف طرف واحد وهو المدين وغض الطرف عن الدائن وحقه في إسترداد أمواله إن الدول التي وقعت على المواثيق الدولية فرضت تشريعات تضمن عدم إخلال المدين لتسديد ديونه من خلال اللجوذء إلى عقوبات أخرى مثل منع الإقتراض ووضعه على القائمة السوداء وغيرها
وإذا نظرنا إلى هذه الحاله أيضاً نجد بأن غالبية أصحاب الحقوق سوف يتوقفوا عن تعزيز الثقة في النظام القضائي نظراً لأن المدينين سوف يتوجهوا إلى طرق بديلة لغايات إستيفاء حقوقهم بأيديهم وبذلك نجد أن معدل الجريمة سوف يرتفع لأهمية تحصيل أموالهم قال تعالى (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) فكيف له أن يفرط بهذا المال، ناهيك عن تراجع المدينين في توكيل المحامين ودفع الرسوم القضائية للدولة فما الداعي إلى دفع اتعاب محاماة ورسوم محاكم ما دام انه لن يتم تحصيل قيم هذه المطالبات المالية حيث انه ومن المعلوم للجميع بان الغالبية العظمى من الدائنين لا يلتزمون بتسديد ما عليهم من التزامات مالية الا بعد صدور قرار حبس في مواجهتهم والقاعدة تقول (من أمن العقاب اساء التصرف) ناهيك عن عزوف التجار عن التعامل بالأجل وتعاملهم بالنقد فقط.