استمرت العلاقات المتدهورة بين الاردن ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد ازمة ايلول من عام 1971-1976 ، خاصة بعد اخفاق مؤتمر جنيف للسلام . الذي عقد في 21 كانون الاول عام 1973 واستمر المؤتمر لمدة يومين واشترك فيه كل من مصر والاردن واسرائيل ، استنادا الى قرار مجلس الامن 338 ، وكان الاردن يواجه مشكلة المسؤولية عن فلسطين والضفة الغربية هل هي للاردن ام للمنظمة ، فالاردن يعتبر الضفة الغربية ارضا اردنية محتلة وسكانها اردنيين بموجب القانون ، ولهذا عارض الاردن ان تكون المنظمة الممثل الشرعي والوحيد عن الشعب الفلسطيني ، وعرض الاردن ان يكون وفد المنظمة ضمن وفد الاردن ، على ان يتم منح الشعب الفلسطيني بعد التحرير حقه في تقرير مصيره من خلال استفتاء عام تحت اشراف دولي ، لتتحمل المسؤولية حكومة فلسطينية في المنفى او منظمة التحرير ، وقد حضر الاردن المؤتمر وسط تشكيك من هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة ان يستفيد الاردن شيئا او تعاد الضفة الغربية اليه .
وقد عقد المؤتمر ومثل الاردن وفد برئاسة زيد الرفاعي فيما مثل مصر اسماعيل فهمي وزير الخارجية ، ورفضت سورية دعوة الاشتراك في المؤتمر ، فيما مثل اسرائيل وفد برئاسة ابا ايبان وزير الخارجية ، وكان الوفد الاميركي برئاسة هنري كيسنجر والوفد السوفييتي برئاسة اندريه غروميكو وترأس المؤتمر الدكتور كورت فالدهايم امين عام الامم المتحدة ولم تدعى منظمة التحرير لحضور المؤتمر .
وقدم الوفد الاردني عددا من النقاط لتكون اساسا للسلام المنشود ، ترتكز على الانسحاب الاسرائيلي من جميع الاراضي العربية المحتلة عام 1967 ، والاعتراف بالحدود الدولية للدول المتنازعة ، وحق كل دولة بالعيش بسلام ، واعادة الحقوق المسلوبة للشعب الفلسطيني وفق قرارات الامم المتحدة ، بما فيها حق العودة او التعويض ، ووجوب عودة القدس وعودة السيادة العربية عليها ، واعلن الرفاعي رفض الاردن لاي تسوية جزئية.
وقد استشهد اليهودي هنري كيسنجر وزير الخارجية الاميركي بالمثل العربي الذي يقول (اللي فات مات ) فيما طالب ابا ايبان بتسوية منفردة مع كل من مصر والاردن .
وفي نهاية المؤتمر عقد وزاء خارجية الدول المشاركة اجتماعا قصيرا اتفقوا فيه على تاليف لجنة عسكرية للبحث في فك ارتباط القوات على جبهة قناة السويس ، وطالب الرفاعي ان تطبق ترتيبات فصل القوات على الجبهة الاردنية الاسرائيلية ، وان تنسحب القوات الاسرائيلية الى الوراء مسافة عشرة كيلو مترات ، كمقدمة للانسحاب الكامل ، الا ان اسرائيل رفضت الطلب الاردني .
وقد انفض المؤتمر تماما كما توقعت سورية فلم يحقق اية نتائج ملموسة او نتائج مهمة ، سوى ما تلاه من توقيع مصر واسرائيل على اتفاقية لفصل القوات بين الطرفين في 18 كانون الثاني 1974 حيث انسحبت القوات الاسرائيلية مسافة عشرة كيلو مترات الى من غربي القناة الشرق منها وانسحبت اسرائل من القنيطرة في الجولان واعيدت العلاقات بين مصر وسورية مع الولايات المتحدة والتي كانت مقطوعة من سبع سنوات وقد وصف صلاح خلف الاتفاقيتين بانهما من انتاج الاستعمار الاميركي .
وقد زار كيسنجر الشرق الاوسط احدى عشرة مرة في محاولة لايجاد فصل للقوات مع سورية ، الى ان تمكن من تحقيق اتفاق لفصل القوات بين اسرائيل وسورية في 31 ايار 1974 . ويبدو ان الاهتمام بالجبهتين السورية والمصرية يعود للاهتمام السوفييتي بهما ، فيما لم تعمل الولايات المتحدة من اجل فصل للقوات على الحدود الاردنية .
وحاول الاردن الضغط على الولايات المتحدة لتوقيع فصل للقوات على الجبهة الاردنية ولكن الولايات المتحدة رفضت العاون مع الاردن نهائيا .
وفي ظل هذه الظروف قام الملك الحسين بالتحرك على مستوى العالم فقام بزيارات لمختلف دول العالم اختتمها بزيارة للولايات المتحدة في آب 1974 حيث اجتمع بالرئيس فورد الذي حل محل نيكسون ، وقد اعلنت اسرائيل غضبها في حال وافقت الولايات المتحدة على فصل للقوات مع الاردن ، ولم توافق الولايات المتحدة على طلب الحسين امام الضغط الاسرائيلي ، وعرضت اسرائيل ان يشرف الاردن مدنيا على بعض مدن الضفة الغربية ، فرفض الاردن الاقتراح .
وقد اخذت مصر تشجع المنظمة على تشكيل حكومة في المنفى للاشتراك في مؤتمر السلام ، وزار الحسين مصر واجتمع مع السادات في الاسكندرية في نيسان 1974 لتنسيق المواقف ، واسفر الاجتماع عن موافقة الاردن على ان تشترك المنظمة في المؤتمر بوفد مستقل عن وفد الاردن على ان يوجه راعي المؤتمر الدعوة اليها ، وفي تموز زار الحسين مصر وصدر بيان مشترك يؤكد ان منظمة التحرير هي الممثل الشرعي للفلسطينيين باستثناء الفلسطينيين المقيمين على الارض الاردنية ، الا ان الاردن فوجيء بعقد مؤتمر ثلاثي في القاهرة ضم مصر وسورية والمنظمة في ايلول 1974 وصدر بيان عن اللقاء يدعو ان تكون المنظمة هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني ، ثم جاء عبد الحليم خدام الى عمان ووجه الدعوة الى زيد الرفاعي لحضور مؤتمر رباعي يضم الاردن ومصر وسورية ومنظمة التحرير الفلسطينية ، فاعتذر الاردن عن قبول الدعوة واعلنت الحكومة الاردنية ان هذه التحركات خطيرة وقررت الحكومة تجميد كل نشاط او تحرك سياسي يتعلق باعمال مؤتمر جنيف .
وفي 21 ايلول 1974 وافقت الجمعية العامة للامم المتحدة ان تضع القضية الفلسطينية على جدول اعمالها لاول مرة منذ عام 1948 وفي 14 تشرين الثاني 1974 قررت الجمعية العامة باغلبية ساحقة ان تدعو منظمة التحرير الفلسطينية للاشتراك في محادثاتها ، وبعد ذلك باسبوعين انعقد مؤتمر قمة الرباط الذي قرر الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني ، والقى ياسر عرفات رئيس المنظمة خطابا في الامم المتحدة في 13 تشرين الثاني وقدم في خطابه عرضه الشهير ( البندقية او غصن الزيتون ) وقال لا تدعو غصن الزيتون يسقط من يدي ، فتبنت الجمعية العامة في 22 تشرين الثاني 1974 قرار رقم 337 الذي اعترفت فيه بحق تقرير المصير للشعب الفلسطيني والاستقلال والسيادة ، وتم منح المنظمة صفة مراقب في الامم المتحدة .
وهكذا كان مؤتمر القمة العربية السابع مؤتمر الرباط من 26-29 تشرين الاول 1974 نقطة تحول في تاريخ الاردن ، فوجد الاردن نفسه مضطرا لفصم عرى الوحدة بين الضفتين بعد مرور ربع قرن على قيامها ، وفي حين تمكن الاردن في قمة الجزائر عام 1973 ان يمنع صدور مثل هذا القرار لم يتمكن في قمة الرباط من ذلك . وقد اشتركت جميع الدول العربية في مؤتمر الرباط باستثناء ليبيا ، فقد حضره 18 رئيس دولة وحضره ياسر عرفات ممثلا لمنظمة التحرير الفلسطينية ، وقد حاول الحسين في خطاب له اثناء المؤتمر وفي جلسة مغلقة مع الملوك والرؤساء في 27 تشرين الاول حاول ثني الدول العربية عن اتخاذ مثل هذا القرار الان الى ان تتحرر الارض الفلسطينية ، وبين الحسين ان الادارة الاردنية موجودة فعليا في الضفة الغربية وتقوم بالخدمات المدنية من موظفين وبلديات وجوازات سفر وتعليم وتدفع الحكومة الاردنية الرواتب والنفقات وتمنح القروض من موازنتها في الضفة الغربية رغم وجود الاحتلال ، وقال ان الاردن يعترف بان المنظمة تمثل الشعب الفلسطيني ولكنها ليست الممثل الشرعي الوحيد . واقترح ان يتم الحديث عن موضوع التمثيل بعد استرجاع الضفة الغربية ، ورغم ذلك اتخذ القرار في القمة ولم يكن امام الحسين الا الموافقة حفاظا على وحدة الصف العربي ، وقد كان الرئيس العراقي صدام حسين قد سجل تحفظه على هذا القرار ، ولكن المؤتمر وافق ان يبقى الاشراف الاردني على القدس ويتحمل مسؤولية الرعاية الدينية على الاماكن المقدسة بما في ذلك الاوقاف والشؤون والمقدسات الاسلامية .
وبعد عودة الحسين من الرباط بساعتين القى خطابا واعلن انه رغم ذلك لن يتخلى عن اهل الضفة الغربية وسيستمر بتقديم الخدمات الادارية الى ان يتم ترتيب وضعها الجديد .
وبعد المؤتمر جاء كيسنجر الى عمان ، وصرح ان قرارات القمة عقدت الموقف والاحتمالات بايجاد حل في المنطقة .
وقد اسفرت الاخبار عن وجود مؤامرة فلسطينية لاغتيال الملك الحسين في الرباط اثناء انعقاد المؤتمر ففي اوائل تشرين الاول 1974 دخلت مجموعة من العناصر من منظمة فتح الاراضي المغربية بجوازات سفر مزورة ولكن المخابرات المغربية اكتشفت المؤامرة والقت القبض على اربعة عشر شخصا قبل انعقاد المؤتمر بايام . فاستدعى الحسين ياسر عرفات واطلعه على المؤامرة ووجه الاتهام لصلاح خلف ولكن ياسر عرفات نفى علمه بالموضوع ، وقد القت السلطات الاسبانية على سيارة محملة بالاسلحة التي سيستعملها المشتركون بالعملية بعد ادخال الاسلحة عن طريق جبل طارق ، وقامت المغرب بتسليم الموقوفين الاربعة عشر الى مصر فبادر الرئيس السادات للافراج عنهم بعد اقل من شهر واحد على اختتام مؤتمر الرباط .
وقد القى صلاح خلف نفسه النقاب عن المؤامرة في خطاب له في طلاب جامعة بيروت العربية في 19 تشرين الثاني 1974 ، مؤكدا انه سيقوم بمحاولات اخرى لاغتيال الملك الحسين ، تنفيذا لقرار سابق للمجلس الثوري لفتح باغتيال الملك الحسين والاطاحة بالنظام الاردني ، وفي نفس الفترة صدرت اقوال عن ابي داوود ، كما وجه ابو اللطف فاروق القدومي رسالة الى اتحاد الطلبة في بغداد ادعى فيها ان الاردن يجب ان يكون فلسطينيا ، وصدرت تصرريحات عن ابي اياد ، ورغم ذلك لم يقطع الاردن الاتصال مع المنظمة عن طريق اللجنة الاردنية الفلسطينية المشتركة ، والتي واصلت عملها الى قرار فك الارتباط في عام 1988 .
وقد ادى قرار الرباط بالاردن الى يدعو مجلس النواب للاجتماع في 9 تشرين الثاني 1974 حيث تقدمت الحكومة بمشروع معدل للمادتين 34 و 73 من الدستور يعطي الملك الحق في حل في حل مجلس الاعيان او يعفي احد اعضائه من العضوية والحق في تاجيل الانتخابات لمجلس النواب لمدة لا تزيد عن عام ، وفي 23 تشرين الثاني تم حل مجلسي الاعيان والنواب ، وقد رحب ياسر عرفات باجراءات الحكومة الاردنية . وقد اعاد الملك تعيين اعضاء مجلس الاعيان في 1 كانون الاول 1974 . وفي يوم حل المجلس استقال خمسة من كبار رجالات الديوان الملكي الهاشمي دفعة واحدة وهم : بهجت التلهوني رئيس الديولن الملكي ، وعبد المنعم الرفاعي مستشار الملك للشؤون الدولية ، وبهاء الدين طوقان وزير البلاط ، وعامر خماش المستشار السياسي للملك ، ومحمد رسول الكيلاني مستشار الملك لشؤون الامن القومي .
وقامت الحكومة بتاجيل الانتخابات النيابية في 16 اذار 1975 وفي 3 شباط 1976 بسبب ما اسمته الظروف القاهرة ، ودعا الملك الحسين المجلسين للانعاقاد في جلسة استثنائية للنظر في تعديل المادة 73 من الدستور ، فعقد مجلس الامة في 5 شباط 1976 جلسة مشتركة اقر فيها تعديل المادة واعطاء الملك الحق في تاجيل الانتخابات العامة . فحل الملك الحسين مجلس النواب اعتبارا من 7 شباط 1976 بعد ان اعيد المجلس الى الوجود لمدة ثلاثة ايام فقط . وكان امام الاردن ثلاث خيارات اما ان تجري الانتخابات في الضفة الشرقية وحدها او ان يعود المجلس السابق لممارسة صلاحياته او ان تؤجل الانتخابات . وبقي الاردن على هذه الحال الى ان برزت فكرة تاليف المجلس الوطني الاستشاري عام 1978 ليحل بصورة مؤقتة محل مجلس النواب.
في الحلقة القادمة نواصل الحديث عن تطورات تاريخ الاردن ....