قبل أعوام كتبت مقالا تحت عنوان " 42 ألف طارق" وكنت حينها التقيت فتى اسمه طارق لم يتجاوز عمره العشر سنوات يبيع ما تيسر له على الإشارة الضوئية، تكررت الحادثة معي قبل أيام حينما التقيت فتى آخر وللمصادفة كان اسمه هو "طارق."
حال الطارقين ليس بخير، ويجمع بينهما أكثر من الإسم، فالطارقان انغمسا من دون ذنب في القيام بأعمال شاقة، أملا في تحصيل حفنة دنانير تخفف عن أسرتيهما آلام الفقر وقلة الحيلة.
طارق هذه المرة ورغم قصر قامته ابتكر أسلوبه في البحث عن لقمة العيش، من خلال البحث عن المواد البلاستيكية وبيعها، إذ يبدأ بممارسة هذه المهمة الصعبة منذ ساعات الفجر الأولى وحتى آخر النهار.
الفتى الذي حافظت تفاصيل وجهه على براءتها يتمكن بجسده النحيل الهزيل من الصعود فوق حاوية النفايات بحثا عن مراده، الذي دأب على جمعه وبيعه كمصدر رزق للعائلة المكونة من ستة أفراد.
طارق ذو العيون الحزينة، يسيطر عليه الخوف والخجل مما يفعل يظهر ذلك جليا في صوته، عند سؤاله هل تذهب إلى المدرسة فيخفي خجلا أنه توقف عن ذلك منذ سنوات بحجة أن عليه أن يعمل ليعيل أبا مريضا وأما عاجزة.
طارق ليس الطفل الوحيد الذي يعيش هذه الحالة بل هناك عشرات الآلاف من الأطفال العاملين في ظروف لا يقدر على تحملها الكبار، فما بالك بصغير لم يعرف من الدنيا سوى الحاوية ومحتوياتها النتنة.
أمثال طارق كثيرون، حيث اظهر مسح عمل الأطفال في الأردن للأعوام 2007/2008 الذي نفذته دائرة الإحصاءات العامة أن هناك الكثير من التجاوزات بحق الأطفال وأن العديد منهم يعمل ولا يذهب إلى المدرسة ويتم استغلالهم اقتصاديا من أجل الربح المادي.
أما البيانات المتوفرة حول حجم الظاهرة فتؤكد تركزها بين الأطفال من الفئة العمرية من سن 5-17 عاما العاملين إذ بلغ عددهم 32676 واستحوذت عمان على أكبر حصة فكانت نسبتهم فيهم 32.4% بينما توزع 67.6 على باقي المحافظات.
في وقت أظهرت دراسة لوزارة التربية أن تسرب الأطفال يتراوح بين 38-45 ألف طالب وهو رقم مرشح للازدياد في الوقت الحالي بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية للعديد من الأسر.
بيد أن كثرة وتكرار مشاهدة الأطفال العاملين توحي بأن الأرقام الرسمية غير دقيقة ومعرفة حجم المشكلة الحقيقي يحتاج لإجراء مسح وطني شامل للإطلاع على أوضاع الأطفال العاملين ليس فقط في الكراجات والحاويات وإنما في قطاع الزراعة حيث يوجد أنماط مخفية من عمالة الأطفال من الصعب الوصول لها مثل عمالة الفتيات داخل المنازل وحرمانهن من التعليم سواء أكان العمل مقابل الأجر أم بدونه.
في ظل غياب الدراسات المعمقة لهذه الظاهرة يظهر أن عدد الطوارق بازدياد، ولئن رغبت الحكومة في معالجة هذه المشكلة التي تتعمق يوما بعد يوم، فإن عليها إجراء مسح يحدد الحجم الحقيقي للمشكلة، ويضع عقوبات مشددة بحق كل من يشغل هؤلاء الأطفال كونه يشارك في تنفيذ مخطط مبرمج لقتل براءتهم.
jumana.ghunaimat@alghad.jo