استقبل الزعيم الأسيرات، لم يكن في الدنيا من هو أسعد منه، ولا أبش ولا أرق من قسمات وجهه. ألقى خطبة هائلة دمعت لها عيون الحاضرين، وأصرَّ على المشاركة في حمل باقات الزهور وتسجيتها على قبر الزعيم السابق. بينما هو منهمك في خطبته جاءه هاتف عاجل فنهض إلى مكتبه وأرسل (فاكسا) على غاية من الأهمية، أمر فيه بحرق جثث الشهداء بعد أكل أكبادهم واستئصال حناجرهم. حين همَّ بالخروج نظر في المرآة فرأى عقربا ينسلُّ عائدا إلى جوفه. عاد بنفس الوجه الذي غادر به الغرفة، وأكمل كلامه الأول بنفس الحماس. وقبل الوداع أطلق بشارته المدوية: سنحرر جميع الأسرى.. سنقيم دولتنا على أرضنا!
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
نهضت إحدى الأسيرات، أخرجت من جعبتها نايا من القصب وسنبلة قمح وديوان شعر، عرضتها أمامه للبيع.....
- بكم تشتري؟
- بدرهم
- لا.
- بدرهمين
- لا.
- بألف
- لا.
- بكفن
تمت الصفقة.
،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،،
قررت واحدة من الأسيرات الرحيل، امتطت نعلين مثقوبين واتجهت نحو الشرق. في الشرق يوجد همٌ كثير وأحلام غير ناضجة. لم تصدق أن الدحنون هناك يباع بالمجان، والسوسن البري تسحقه أقدام الغرباء. تذكرت وجه جدِّها الذي قال لها ذات يوم: يا بنيتي كلنا في الهم شرقُ، لن تشرق الشمس على أرض أجمل من أرض هذه الأوطان، ولن يكون المغرب إلا تحضيرا لفجر قادم. كل النهايات هي في الحقيقة بدايات؛ الولادة بداية.. الموت بداية.. القهر بداية...
توقف قلب جدها فجأة، تركها مع الكلمات التي لم تنته والمعاني الباحثة عن قرار بعيد. رأت شيخا يشبهه في الشرق، كأنه هو أو توأمه، لقد امتطى جسدا آخر، وحمل بيده منجلا يشبه منجل جدها القديم. ثمة سنابل كثيرة تنتظر، تنحني تواضعا أو اطمئنانا أو انتظارا ليوم الحصاد. قال لها وكأنه يقرأ دقات قلبها: سنابل الخير فقط هي التي تستطيع الانحناء حتى تلامس هاماتها التراب. انظري كيف تقبله، وكيف يضمها إلى صدره إذ يذوب بها عشقا....
(ما أكثر العشاق وما أقل العشق!!) قالت في نفسها.
حمل الشيخ نعليه تحت إبطه وشق طريقه بين السنابل...
قالت له:
- قد تهب العاصفة في أي لحظة
- إني انتظرها منذ زمن بعيد
- الغربان تملأ الأفق
- لن تمكث طويلا، سوف يحرقها ضوء النهار
- أنت أعزل
- إلا من عشقي
- إني آتية معك
مضيا في طريقهما، وروى الأحفاد لأحفادهم قصة السنابل والعشق المقيم والشيخ الذي ما زال يحمل منجله ويضع نعليه تحت إبطه.....
Samhm111@hotmail.com