تبتلى كل حكومة عادة بوزير أو وزيرين ممن يرتكبون الأخطاء بشكل مكرر ويتصرفون برعونة وخفة بطريقة تتسبب في حصول الأزمات أو المشاجرات، مما يترتب على ذلك خلق أزمات وتداعيات تشغل الرأي العام، وتؤثر على هيبة الحكومة ومصداقيتها وشعبيتها لدى المواطنين. وفي الوقت الذي قد تكون القرارات التي يتخذها الوزير ونزاهته وإخلاصه تؤثر بشكل مباشر على المصلحة الوطنية، فإن سلوكياته وكياسته وتعامله مع الناس تلعب دورا هاما في تشكيل انطباعات الناس إيجابا أو سلبا عن الحكومة.
الغريب في الأمر أن الدستور الأردني لم يتطرق إلى المواصفات التي ينبغي أن تتوفر في الأشخاص الذين يتبوأون موقع وزير. ففي الوقت الذي تضمن الدستور شروطا ومواصفات عامة للأشخاص الذين يتم تعيينهم في مجلسي الأعيان والنواب وكذلك أعضاء المحكمة الدستورية، فقد خلت مواد الدستور وفقراته من أي مادة تشير إلى مواصفات وشروط محددة ينبغي توافرها في الشخص الذي يتم تعيينه وزيرا.
لا أعلم كيف يمكن أن يكون تعيين الوزير أمرا مفتوحا بهذه الطريقة بحيث يترك لرئيس الحكومة استقدام من يريد ومن يحبه قلبه، أو من يرتبط معه بعلاقة عمل أو شراكة أو مصاهرة أو غير ذلك، ليكون الشخص الأول في الوزارة ويساهم في وضع السياسات العامة للدولة ويقود تنفيذ هذه السياسات!
انطلاقا مما سبق واستنادا لتجارب الأردنيين الحالية والسابقة، فإنه من غير المفاجئ أن تجد بعض الوزراء ممن لا تتوفر فيه الحدود الدنيا للنضج أو الحكمة أو المصداقية أو حتى السلوك المتواضع الذي يجسد مبدأ وصفة الخدمة العامة للوظيفة التي يشغلها هذا الوزير أو ذاك. لن أذكر أسماء، ولكن تكاد لا تخلو حكومة من مثل هؤلاء الوزراء الذين يتصرفون برعونة وطيش، لا بل فإن بعضهم يجانب اللياقة والأخلاق العامة في تصرفاته مع المواطنين الذي وجد وعين من أجل خدمتهم. بعض الوزراء يتصرفون بفوقية وازدراء للآخرين إذ يشعرون بأنهم جاؤوا من طبقة أخرى أو من كوكب آخر فيترفعوا عن الناس ،وأحيانا يشتموا الآخرين ويتفاخروا بأنهم يحملون الإرادة الملكية. أحد الوزراء في حكومة الدكتور عمر الرزاز خلق عدة أزمات منذ دخوله في تعديل حكومي قبل شهرين إذ أن تصرفاته المتهورة، وكلماته غير المحسوبة، وتهجمه على بعض النواب والمسؤولين في الجامعات تسببت بخلق أزمات ربما إنها آخر ما تحتاج إليه حكومة الرزاز.
هؤلاء لا يدركون أن الإرادة الملكية هي مسؤولية وأن هذه الإرادة منحت لهم لخدمة الناس وليس للتعالي عليهم. لا يدرك هؤلاء الوزراء الطائشون التائهون أن صاحب الإرادة الملكية ومصدرها غاية في التواضع للناس ويتصف بحسن الخلق وملاطفة مواطنيهم.
بعض الوزراء يعتقدون أن اختيارهم وزراء جاء لأنهم أبناء بلد ومواليين للدولة والنظام ونحن نقول لهم إذا كان الأمر كذلك فلماذا تتغير الحكومات ويقال الوزراء ورؤساء الحكومات؟ إن هؤلاء الوزراء المغرورين لا يدركون أن كل الأردنيين موالين للدولة والوطن والنظام، وأن ما يطالب به البعض من إصلاح سياسي واقتصادي وتعليمي هو من أجل الوطن، وهو متسق مع ما ينادي به الملك من ضرورة إحداث الإصلاح والتطوير.
نقول هنا أن اختيار وتعيين الوزراء ينبغي أن يستند لمنظومة من الشروط والأسس والمواصفات الشخصية بالإضافة إلى الأبعاد السياسية الأخرى. لا يكفي أن يكون الوزير مواليا فكل الأردنيين موالين، ولا يكفي أن يكون الوزير من منطقة أو أقلية معينة، ففي كل منطقة هنالك المئات من الشخوص المؤهلين فنيا وسياسيا وسلوكيا لتقلد موقع الوزير.
لا بد من مواصفات تتعلق بالعمر والتأهيل والسلوك ينبغي توافرها في الشخص المرشح لشغل موقع الوزير. لا غضاضة من الرجوع لتاريخ الشخص وسجلاته وعلاقاته وأخلاقه ونظافة يده، لا بل فإن دراسة هذه الجوانب قضية ضرورية ومهمة إذ لا يستوي الأمر أن يشترط لتعيين موظف في الدولة الحصول على براءة ذمة وحسن سلوك وشهادة عدم محكوميه في الوقت الذي نعين وزير مهمته قيادة كل هؤلاء الموظفين في وزارته.
وزراء التأزيم والمفاجئات ووزراء الرعونة والاستعلاء على الناس يدمرون ليس فقط مصداقية الحكومات ولكنهم يذهبون هيبة الدولة ويفقدون المواطن صلته وتعلقه بدولته وشعبه.