تشاغلنا عدة اشهر متتالية، بقصة صفقة القرن، وكانت هذه فرصة من اجل التعبير عن الموقف الشعبي، وفرصة أيضا، لنسيان قضايا داخلية كثيرة.
حسنا، لقد انتهت الحفلة الى حد كبير، فلا الوصفة الاقتصادية مقنعة، ولا مناسبة، وغير مقبولة، أساسا، كونها غير قابلة للتطبيق، وتتعرض بشكل سيئ الى حقوق الشعب الفلسطيني، هذا فوق ان الصفقة ذاتها، انتهت، اذ ولدت ميتة، ولا يمكن رد الروح اليها، بعد الانتخابات الإسرائيلية، وغير مقبولة سياسيا.
هذا مفيد جدا، حتى يتوقف الضجيج، الذي تشاغلنا به خلال شهور، ونعود قليلا الى اجندة الداخل الأردني، التي بسبب مشاعر الخطر، من قضايا كثيرة، تم تجاوزها، او على الأقل لم تكن أولوية لدى كثيرين، خصوصا، ان كل الحديث عن التسوية السياسية، وخطط التوطين، وغير ذلك، ترافق مع شد أعصاب كبير، بخصوص الوضع الإقليمي، والأزمة مع ايران، ومخاوف نشوف حرب كبرى.
كانت هذه فترة مريحة لكثرة من المسؤولين، والمؤسسات، اذ على الرغم من كثرة النفي لدور اردني مقبل على الطريق، الا انها كانت مفيدة، من حيث كونها طغت بخطرها على قضايا أخرى، وجعلت الرأي العام، مشغولا بما يجري، وغير قادر كثيرا، على التركيز على قضاياه الأساس، التي عادت أولوية.
أمامنا ملفات بحاجة الى إجابات كثيرة، أولها الوضع الاقتصادي، والى اين يذهب في ظل كل المؤشرات السيئة، التي نراها على صعيد وضع الخزينة، والقروض، ووضع القطاع الخاص، والبطالة، وعدم وجود مساعدات في الأفق، وتضخم مشاكل الفقر، وتدفق خريجين جدد الى السوق، كل صيف، والضرائب، ومع هذا كثرت الشكوى من القوانين التي تحبس المدين، وقانون المالكين والمستأجرين، ومشاكل قطاعات الزراعة والسياحة، والتعليم والصحة، والنقل؟
مع كل ما سبق ملف محاربة الفساد، الذي برغم كل المؤشرات الجيدة، التي شهدناها في حالات محددة، الا ان الملف ذاته، ما يزال قائما، بسبب قضايا كبرى، لم يتم فتحها حتى الآن، وما تزال معلقة، وتدور حولها الشكوك، إضافة الى شيوع الفساد الأصغر في كل موقع ومكان، وتفشي الرشى في المؤسسات الخدمية، وذات السمة المالية، وغير ذلك من مشتقات على صلة بهذا الملف.
الإصلاح السياسي بحد ذاته عنصر مهم، من قانون الانتخابات، الى وضع الأحزاب، وصناعة النخب، التي تبدو اليوم في أسوأ حالاتها، ولا تعرف كيف تمكنت الدولة الأردنية، سابقا، من صناعة نخب حقيقية، لكنها اليوم، تميل الى صناعة بطانات تستمطر الغضب الشعبي، ولا تحظى في حالات كثيرة، برضى بين الناس، وكأن كل عام يأتي، يجلب معه، تراجعا حتى على مستويات الأشخاص، والنخب وتأثيرها، في سياقات تراجعات عامة ؟.
علاقاتنا العربية أيضا، ملف مهم جدا، مع سورية والعراق ومصر ودول الخليج العربي، والفلسطينيين، وبقية الأطراف، وهي علاقات أساسية، بحاجة في بعض محطاتها الى إعادة اصلاح، او إطفاء للجمر تحت الرماد، خصوصا، ان وضع الإقليم خطير جدا، واحتمالات نشوب حرب، تبقى واردة، ولا غنى لنا عن كل جوارنا العربي، بكل ما فيه من تعقيدات، وازمات، وتناقضات.
ما يراد قوله هنا، ان حالة الشلل النفسي، التي خبرناها في ظروف سابقة، تركت أثرا حادا على بنية البلد، إذ كلما حدثت أزمة حوالينا، وقفت البلد على قدم واحدة، من شدة القلق والتوتر، وقد وصلنا الى مرحلة اليوم، نعاني فيها من انجماد شبه كامل، ولربما أهم تحد تواجهه كل المؤسسات لدينا، ومراكز التخطيط والقرار، فك هذا الانجماد، وإعادة البلد الى حالتها الطبيعية، وفي هذا السياق تحديدا، رأينا كيف ان كل النقاشات والاتهامات وردود الفعل والتعليقات حول صفقة القرن، وورشة البحرين الاقتصادية، أدت الى شيوع مناخ صعب، وكأن على رؤوسنا الطير، وتحت اقدامنا الريح تتخطف خطواتنا، جراء القلق والتوتر.
لقد انتهت هذه الحفلة الى حد كبير، وعلينا ان نطرق البوابات اليوم، لنعيد التذكير بأجندة الداخل الأردني، وحتى أولئك الرسميون الذين يتغطون بحالة التوتر الشعبي، من أجل أن ينسى الكل اولوياتهم، عليهم رمي هذا الغطاء، وأن ينهضوا من فراشهم، ويقدموا لنا إجابات واضحة عما سيفعلونه بشأن هموم الأردن.