في الخمسينات من القرن الماضي سوق اليمنية وسوق منكو من أقدم واشهر اسواق الملابس في شارع المهاجرين «قلب عمان».. سوق اليمنية للملابس والأحذية المستعملة يرتاده الفقراء ومتوسطو الحال.. أما سوق منكو للملابس والأحذية الجديدة المستوردة فيرتاده الاغنياء والنساء العرائس منهن خاصة.. في إحدى الصباحات الصيفية شهد العمانيون حريقاً كبيراً وغير مسبوق شب فجأة في سوق اليمنية كان سببه كما قيل لنا رجل كوى ملابس اعتاد على تنظيف الملابس بمادة البنزين وهي مادة سائلة سريعة الاشتعال..
خلسة.. ودون إذن من والدينا هبطنا من عل مسرعين من جبل الاشرفية اعلى جبال عمان مرورا بوادي سرورعشرات الاطفال وانا في المقدمة لا هدف لدينا الا متعة الفرجة والدهشة معا وليس الاطفاء والانقاذ فلا أحد من أقاربنا يعمل في هذا السوق او يسكن قريبا منه اما بيوتنا فهي بعيدة كثيرا عنه..
ويا للعجب.. ما شاهدناه: مئات من الشبان الاقوياء والشجعان ومن جميع المنابت والاصول يتسابقون بدلائهم ومنها طناجروصفائح زيت فارغة وغيرها... يغرفون على عجل بها المياه من سيل عمان و ينطلقون بها كالرماح وبأقصى سرعة لاطفاء هذا الحريق الهائل المرعب الذ ي كان يلتهم وبشراسة سوق اليمنية في قلب عمان عاصمتهم..
تصوروا لم يكن لامانة العاصمة في تلك الايام الخمسينية ولو سيارة اطفاء واحدة للمساعدة في اخماد هذا الحريق الكبير حيث كانت المملكة في تلك الايام في السنوات الاولى منذ تأسيسها العام 1946.. ما كنا نشاهده ونفرح به ونحن اطفال سيارة حمراء لامانة العاصمة على ظهرها «تنك ماء» ترش به الشوارع الرئيسة وارصفتها بالمياه في قلب عمان وتحديدا في المساء شارع الهاشمي وشارع المهاجرين وشارع السلط لتبديد حرارة الطقس في تلك الايام الصيفية اللاهبة.. وقد ساهمت كما قيل لنا في اطفاء هذا الحريق الكبير..
وللحقيقة والتاريخ... ودون نسيان ما فعله بلفور وسايكس البريطانيان فينا..! فقد هبت وفجأة اكثر من اطفائية للجيش البريطاني يمتطيها جنود انجليز شقر تحولوا فيما بعد الى سُمر بسبب دخان الحريق.. قدمت وبسرعة هائلة وهي تطلق صافراتها قادمة من مطار ماركا وكان حينها قاعدة عسكرية بريطانية وفي اقل من نصف ساعة قامت باخماد هذا الحريق التاريخي الكبير اللعين ونهائياً..!
الراي