لا ادرى كيف قفز هذا العنوان الى ذاكرتي فجاة وبدون مقدمات وفي خضم متابعتي للتطورات السياسية الجارية في المنطقة ، فهذا العنوان الذي ابتكره الصديق المبدع المرحوم محمد طملية هو عنوان لمجموعة قصصية له نشرت عام 1986 وكنت قد تعرفت عليه رحمه الله في صيف ذلك العام في بيت الاستاذ المرحوم عبد الله حمدان وبحضور نخبة من الصحفيين والكتاب الاردنيين حيث كنت اعمل وقتذاك في صحيفة الوطن الكويتية ، في تلك الجلسة اكتشفت كم ان طمليه هو " عبقري اجتماعي " فقد تجنب وقتها الخوض في الكثير من القضايا السياسية الشائكة والمعقدة وبخاصة ذلك العنوان الابرز وقتذاك " الحرب العراقية – الايرانية " والسؤال الاشكالي الملحق بها الا وهو ، من الذي على حق ومن الذي على باطل ( نظام صدام حسين ام نظام الخميني ) ، اذكر وقتها ان طمليه علق ببضع كلمات لا استطيع نسيانها قال : " كل طلقة لا توجه للعدو الاسرائيلي هي طلقة تخدمه " ، وهي عبارة تدين الطرفين بصورة او باخرى ، وعلمت لاحقا خلفيته اليسارية وعلمت ان توجهه السياسي ولا اقول التنظيمي كان يرى في تلك الحرب انها حرب عبثية .
كان ومازال عنوان مجموعة طمليه " المتحمسون الاوغاد " العنوان الامثل لتوصيف الحالة العربية بكل تعقيداتها ، ففي الواقع نسمع ونشاهد من يقول ان الدم الفلسطيني بات فائضا عن الحاجة او ان هذا الدم واللحم باتا " سلاحا ارهابيا " يجب لجمه ومنعه من تعكير المزاج العربي العام الذي يغط في سبات عميق متجردا من عبء الضمير ووزنه الثقيل او متحررا من القلق المزمن " المسمى فلسطين وقضيتها " ، او متورطا في عشق مفاجئ هبط علينا كما الصاعقة تجاه " اولاد العم " ، او من استهتار مغمس بالدجل يحرص على كنس ونكران التاريخ العربي بكل ما فيه لصالح اللحظة المهزومة والعارية والتى يجب ان نرفع لها عنوانا ثوريا قويا وصادما " كلنا منبطحون من اجل فلسطين وشعبها " !!
شئنا ام ابينا فقد دخل المجتمع العربي ولاول مرة في التاريخ المعاصر بتناقض شبه كامل مع نظامه السياسي وهو امر يشكل حالة خطرة للغاية ، وانا هنا لا اريد وضع توصيف ما لهذه الحالة او اشارة ما لما حدث ويحدث ولكن اقول ان التطورات ومن يقف وراءها ادخلتنا في حالة من التناقض التناحرى الذي لا يقبل " تسويات ولا حلول وسطية " وان هذا التناقض بشكل او باخر سوف يفرز نتائجه التى ان لم تكن لصالح المصلحة العامة للشعب العربي في اقطاره المختلفة فلسوف تكون نتائجه مدمرة للنسيج الاجتماعي العربي ولقيمه الاخلاقية ومعتقداته المتوارثة .
اعتقد في خضم هذا " التيه " الذي نعيش ان المشروع الافضل لخدمة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني هو ترك الشعب الفلسطيني يمارس " ارهابه " بطريقته التى يراها مناسبة " ونضاله السياسي " بالبرنامج الذي يراه يحرر القدس من سراق الليل ، واتاحة الفرصة له " لتقليع شوكه بيديه " دون وصاية او حرص زائد من اي جهة ، فهذا الشعب " كفر" بما يسمى بالدعم القومي ، واثبتت التجارب تحت هذا العنوان ان " العرب " اما تاجروا به وبقضيته او استخدموه ورقة للتقرب من واشنطن واسرائيل او من " الشيطان الاكبر" في طهران او من اجل صناعة امجاد زائفة تضاف للتاريخ الكاذب .
واليوم يستقر العنوان السحري لمحمد طمليه.. " المتحمسون الاوغاد " كعنوان لهذه المرحلة وللزمن القادم بعدها ، فالمبدع طمليه كانت لديه " قرون استشعار " استطاع من خلالها اكتشاف اللحظة الراهنة وهي ان القضية الفلسطينية لقيطة بلا اب او ام او اهل او عزوة وهو ما اغرى السماسرة وتجار الاوطان وتجار الدين " للعبث بها " وفي ذات الوقت للمزايدة عليها والدفاع عنها ولكن بالحناجر وليس بالخناجر وهؤلاء هم " المتحمسون الاوغاد "
Rajatalab5@gmail.com