بمناسبة امتحانات الثانوية العامة، ولعرض تجربة جيل ، لهذه الأجيال طلابا واولياء امور ، وبعداً عن السياسة ، التى كثر مرتادوها ، ولا نرى من نتيجة على قاعدة ، قل واكتب ماتشاء، ونحن نفعل ما نريد ، أعرض اليوم تجربة شخصية تعود لعام ١٩٦٤ السنة التى قدمت فيها الثانوية العامة . في المملكة الاردنية الهاشمية ، حيث كان عدد الطلبة الذين تقدموا لامتحان الثانوية العامة في تلك السنة قرابة الستة الآف وخمسمائة طالب وطالبة من كل التخصصات.
كنّا في مدرسة الشونة الجنوبية الثانوية ، والتى تقع مقابل الجندي المجهول ، لم يكن في المدرسة تخصص علمي ، وعليه كنّا مضطرين ان ندرس التوجيهي الأدبي ، كان عددنا اثنى عشر طالبا فقط ، كانت المواد تشمل بالاضافة للمواد الأساسية اللغة العربية والإنجليزية ، التاريخ والجغرافيا بأنواعها والفلسفة والتربية الاسلامية والعلوم العامة ، كان عدد الكتب يتجاوز ثمانية عشر كتابا من القطع الكبيرة ، انهينا السنة الدراسية ، وكانت القاعة التى سنقدم فيها الامتحان مدرسة السلط الثانوية ، وعليه لا بد من الانتقال للسكن في مدينة السلط ، استأجرنا مع اثنين من الزملاء بيتا في منطقة الميدان ، ولسوء الحظ فإن الزراعة في تلك السنة في ارضنا ، لم نستفد منها بسبب فيضان نهر الاردن وبالتالي انقطع المصدر الرئيس ، كنت مضطرا لإن اطبخ الغداء والعشاء وان أقوم بواجبات البيت ، إذ ان الاعتماد على النفس هو الأساس ، في الصباح الباكر امتطي قدماي نزولا مع طريق وادي السلط وصولا الى مثلث عيرا ويرقا لإنهى دراسة كتاب اعود بها لعمل الغداءوارتاح قليلاً - ثم انتقل الى طريق جديدة - من الميدان - الى جسر زي - بالطبع لم يكن الجسر موجوداً حتى نفق السلط الجديد - الذي لم يكن موجوداً نزولاً الى السلط وعودة الى البيت لأنهي كتاباً اخر ، لا نستطيع ان ندرس في الليل بسبب تجمعات الطلبة - بدأنا في تقديم امتحان الثانوية العامة - كنا نتناقش في الصباح - سألني احد الطلبة - من غير مدرستي - ما اسمك قلت له - اذا قرأت نتائج الثانوية العامة ، سيكون اسمي من العشرة الأوائل انتابه الاستغراب واتهمني بالغرور - قلت له - لك ذلك- انهينا الامتحانات وظهرت النتائج- وكانت تذاع من الإذاعة ، وتحتل الصفحة الاولى من الصحف فكنت الثاني في المملكة على الضفتين. وكان صديقي الذي سأل عن اسمي اول الواصلين اليّ.
فوجئت بعدها بشرطي يسأل عني - استغربت ، قال - انت مدعو للديوان الملكي لمقابلة جلالة المرحوم الملك الحسين بن طلال - تجمّعنا في وزارة التربية والتعليم كان المرحوم ذوقان الهنداوي مديراً للعلاقات العامة والثقافية ما لا أنساه انني كنت البس حطّه بيضاء - طلب مني المرحوم ذوقان ان اخلعها كوني الوحيد من الطلبة الذي البسها - رفضت - وصلنا الديوان - كنا بدون افطار - وضعت المناسف - ما ان مددت يدي - حتى فوجئت بالمرحوم جلالة الملك يقف بجانبي - يسألني عن اسمي وترتيبي - جاء الوزير والمدير - وقال لهم - ديروا بالكم عليه - اعطانا هدية قلم باركر - ضاع مني وانا اركض وراء السيارة على دوار الداخلية - كانت بعثتي للجامعة الأمريكية - لم اذهب اليها - ودرست في بغداد - وتلك قصة اخرى حيث كنا نركب السيارة من طلعة الشابسوغ - لا نعرف أحداً هناك وأول مرة نغادر فيها الاردن - وأكملنا دراستنا - وبدأت مشواري الوظيفي كمعلم في مدرسة السلط الثانوية براتب سبعة وثلاثون ديناراً وخمسة وثلاثون قرشاً - لا زلت احتفظ بتلك الصورة مع الحطّة - مع جلالته - لا مدرس خصوصي - لا أم ولا اب تسأله عن كلمة أو احد يعينك في مسأله ما - انه الاعتماد على الذات - لقد كنا نمشي الى المدرسة في كل يوم ستة عشر كيلومتراً على الأقدام - انها الإرادة والتصميم .