لغة الصفقات المالیة والتلویح بالملیارات ھي ما یسیطر على عقلیة الرئیس الأمیركي دونالد ترامب وصھره جارید كوشنیر لاعتقادھما أن ذلك ھو المدخل لترویض الطرف الفلسطیني وإجباره على الرضوخ والقبول بما یطرحانھ دون وجود مشروع سیاسي شامل واضح وقادر على إنجاح الصفقة الموعودة. ترامب القادم من عالم المال والصفقات یرى بأن الأموال قادرة على صنع المعجزات خاصة إذا رافقتھا القوة والضغوط الاقتصادیة والحصار؛ عندھا یمكن إنھاء ھذا الصراع الذي ظل وما یزال یشكل تحدیاً مركزیاً للإدارات الأمیركیة المتعاقبة منذ عھد الرئیس ھاري ترومان وصولاً للرئیس دونالد ترامب، حیث كانت إسرائیل ومصلحتھا ھي العنوان الثابت والبارومتر في التعاطي مع قضایا الشرق الأوسط.
التأم لقاء البحرین بغیاب فلسطیني وإسرائیلي(رسمي) تحت مسمى ”السلام من أجل الازدھار“.
كوشنیر الذي كان تمنى أن یكون اللقاء ورشة عمل لطرح الأفكار حول مشروعھ لازدھار فلسطین لیتمكن من رصد ردود الفعل لیبني على أساسھا الخطوات المستقبلیة، عاد لیقول إن الاقتصاد ھو شرط مسبق وضروري لتحقیق السلام والعبور للمرحلة السیاسیة التي وصفھا بأنھا ”فرصة القرن“ ولیس ”صفقة القرن“ ثم سرعان ما وقع في تناقض واضح عندما أشار إلى أن أي نمو وازدھار اقتصادي فلسطیني لا یمكن أن یتحقق دون حل سیاسي دائم وعادل على أن یضمن – حسب وصفھ – أمن إسرائیل أولاً وھو مربط الفرس ویحترم كرامة الشعب الفلسطیني التي اختزلھا بتوفیر فرص العیش دون الإشارة مطلقاً للكینونة السیاسیة التي ظل الفلسطینیون یقاتلون من أجلھا منذ واحد وسبعین عاماً، وھو بذلك ینعى المبادرة العربیة للسلام ومعھا حل الدولتین.
الملاحظة المھمة أن أحداً لم یسمع من الطرف الإسرائیلي أي حماسة واھتمام فعلي للصفقة العتیدة لأسباب عدیده على ما یبدو ولعل أھمھا أن كل الاتفاقیات السابقة التي أنجزت بفعل الضغط الأمیركي على الفلسطینیین والعرب لم تنجح في تسویقھا شعبیاً وبقیت مرفوضة ومدانة بالإضافة إلى أنھا رفضت سابقاً كل الاقتراحات بربط الضفة الغربیة بقطاع غزة بأي وسیلة للتواصل سواء أنفاق أو جسور أو سكك حدیدیة فھذا یعني حسب المؤسسة العسكریة والأمنیة الإسرائیلیة تسریعاً في سیطرة حماس على الضفة الغربیة وھو ما أعلنھ بوضوح تساحي ھنغبي الوزیر عن حزب اللیكود والاقرب لنتنیاھو ووزیر العلوم عوفیر أكونیس بأن إسرائیل لن توافق على أي صفقة لا تتوافق مع المعاییر الأمنیة الإسرائیلیة، یرافق ذلك توجس إسرائیلي من الشق السیاسي وما ھو المطروح منھ.
من الواضح أن أقصى ما یمكن أن تقبل بھ إسرائیل وھو المھم لدى الجانب الأمیركي كیان فلسطیني منزوع السلاح والسیادة براً وبحراً وجواً تكون لھا السیطرة الأمنیة علیھ وأن تكون أبودیس عاصمة ھذا الكیان مع ضم بعض الأجزاء من مدینة القدس الشرقیة وضم الكتل الاستیطانیة التي تقدر مساحتھا بما یقارب 15 % لإسرائیل وتسویة ملف اللاجئین الفلسطینیین بتوطین الجزء الأكبر منھم في البلدان العربیة المستضیفة مع إمكانیة عودة جزء منھم لقطاع غزة في حال نجحت عملیة توسیعھ باتجاه سیناء إذا وافقت مصر على مقترح تبادل الأراضي من صحراء النقب، وھذا ما لا تجرؤ قیادة فلسطینیة على القبول بھ حتى لو قبل بھ بعض العرب.
في المحصلة المؤشرات تقول إن كل ما یطرح وسیطرح سیبقى مجرد صفقة على الورق لن تؤدي لإنجاز تسویة تاریخیة لأطول وأعقد صراع تعیشھ منطقتنا منذ مائة عام.
الغد