أثارت جسارةُ الشابّة الكركيّة مشاعر الجميع و أجزم أن الملك كان هو الأسعد بما سَمِع من إبنته دون مُنمِّقات لغويّةٍ أو مُحسِّناتٍ بديعيّة تُجمِّلُ الواقع أو تُحرِّفُه .
و قد حفّزني الحدث و رورد الأفعال الإيجابيّة اللاحقة لأن أكتب عن اللقاء الذي تشرّفت خلاله مع نخبة من السياسيّين و الإعلاميّين بمقابلة جلالة الملك المُعظَّم حفظه الله منذ بضعة شهور في قصر الحُسَينيّة الذي سُمِّيَ وفاءً لأغلى الرِّجال ، و قد تردّدتُ كثيراً في الكتابة رغم رغبتي الجامحة في وصف بهاء الموقف و مهابته ، إذ ليس لقَلمٍ أن يَفي الحضرة الملكيّة حقّها ، لكنّي سأكتب بما يُمليه الضّمير و الوُجدان على القلم .
و باديء ذي بدء ، أذكر للأمانة العلميّة عبارةً فاجئتني و زملائي من الحضور ، فبعد ترحيبٍ دافيءٍ من مسؤول الإعلام في المكتب الملكيّ طُلِبَ إلينا أن نتحدّث إلى جلالته بما نشاء ، رغم ظنِّنا بأن المقدّمة الترحيبيّة سيتلوها إرشاداتٌ تخصُّ خطوطاً حمراء غير مرغوبة الطّرح و النّقاش لكنّ العكس هو ما كان و هذا يُسَجَّلُ للبطانة ثانياً و حاليّاً و للمليك أوّلاً و دائماً ، و ما أن تشرَّفَت القاعة بحضور جلالته و مبادرته بالمصافحة الممزوجة بإبتسامة ( المعزِّب ) الأصيل حتى تبدّدت الرّهبة في نفوسنا و تبدَّلَت براحةٍ ملؤها الهيبة و الوقار .
و ممّا لفت نظري كذلك توجّه جلالته بعد السّلام على الضيوف لإلقاء التحيّة على كلّ مَن في القاعة من أعضاء الطاقم قبل أن يستقرّ في مجلسه ، فلا أجمل من أن يكون الحاكم أباً و أخاً للجميع .
و بعد أن إستهلّ سيّدنا الحديث بالبسملة و التّرحيب الهاشميّ ، سبَقَنا إلى هموم الوطن و ما يعتري المسيرة من صعوباتٍ و مُعطِّلات ، مع الكثير من الأمل المنطقيّ للمستقبل و الرِّهان على هذا الشّعب الشّريك الوفيّ ، الأصيل الأَبِيّ .
و في مُلاحظةٍ مُعترِضة ، لم يتناول جلالته الضيافة إلّا بعد أن هَمَّ الحضور بذلك ، و هذه شِيَمُ الهواشم القُرَشيّين العرب الأقحاح ، و الأجمل ؛ أن جلالته يبدأ خطابه للآخر بكلمة " سيدي " تيمُّناً بالحُسين العظيم و على خُطاه المباركة ، كيف لا و هُم أحفاد خير الأنام عليه الصّلاة و السّلام ، المشهود له من ربِّ العرش العظيم { وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ } صدق الله العظيم .
و بملامح قوامها التّواضع و أدب الرِّجال ، بدا واضحاً خجلُ جلالته و عدم رغبته بالإستماع لأيِّ مديح ، كما أنّه يهتمُّ بكلّ ما يُقال و إن تجاوز المتحدّث الوقت المُخصَّص له ، بل كان سيّدنا يناقش التفاصيل و التعليق حتّى لحظة مغادرته القاعة بعد إنتهاء الجلسة موجّهاً إيّانا و الطّاقم على حدٍّ سواء للتنسيق و المساعدة فيما يهمّ الوطن و المواطن واعداً بكلّ ما يلزم في سبيل ذلك من تسهيلات ، و ما هذا بغريبٍ على ملكٍ يلتقط الأوراق و التظلُّمات بيديه كما شاهدنا في الكرك منذ يومين ، فالملكُ هو الملك في القاعات المغلقة و الميدان على حدٍّ سَوَاء ، بلا تكلُّفٍ أو أسوار .
و الحقيقة أنّ اللسان يعجز عن وصف الأريحيّة الآسِرة التي يمنحها جلالة الملك لمُقابِله ، و من الطبيعيّ أن يسكن في وجدان حائزِ هذا الشّرف حُلُمٌ بأن يعود ليرى الملك في كُل يومٍ و ساعةٍ و لحظة .
و منذ أن إنتهى اللّقاء الأَبهى ، نتعرّض لسؤالٍ شبه يوميّ ، " هل يُنقَلُ إلى سيّدنا كلّ شيء ؟ " و أجيب : إنّ جلالته يهتّم بكلّ شيء ، أمّا التّفصيلات فتتوقّف على صدقيّة القنوات المُغذّية و علينا نحن ، فسيّدنا يعرف الكثير و الكثير جدّاً ، يتابع و يوجّه و يبادر وفقاً للأدوات الدّستوريّة المُتاحة ، و علينا أن نكون أُمناء فيما ننقل و نبُثّ و نكتب و كذلك فيما يتوجّب علينا فعله تجاه الوطن ، فنحن الحلقة المركزيّة في الأداء و محطُّ إهتمام جلالته المباشر و محلٌّ لرهانه و ثقته الغالية بعون الله .
ما جزاء الإحسان إلّا الإحسان ، و طالما أن أعلى الهرم ، الأب و المليك هو الدّاعم و السَّنَد فلنعمل لما فيه خير هذه الأُمّة ، فهذا دَينٌ و دِينٌ و ديدنُ الأردنيّين المُخلصين .
حفظ الله الأردن ملكاً و شعباً .